اجتمعنا مطلع هذا الأسبوع اجتماعنا الشهري المعتاد والمنتظر، لحضور جلسة منتدى جدة للدارسات النقدية، الذي تحتضنه جمعية جدة للثقافة والفنون بكرمٍ لا يضاهيه إلا كرم مديرها محمد آل صبيح، الذي أزعم أنه أصبح نجمة مضيئة في ثقافة جدة وفنونها، نجمة تجذب حولها مثقفي وفناني المنطقة من كل مكان، حتى أصبحت الجمعية -حقيقةً- بيت الجميع، شباناً وشابات، من مختلف مجالات الثقافة والفنون واتجاهاتها. اجتمعنا هذه المرة لنناقش الروائية والكاتبة سناء الغامدي التي تناولت (خطاب الترفيه.. وتلقي المجتمع الثقافي) في ورقتها المثيرة من الأسئلة والجدل ما لم تسعه الليلة، ووسعته القلوب والعقول. وكعادة جلسات المنتدى.. تفتتح مديرة اللقاء صلوح السريحي (وهي التي أعطت درساً «دالاً» حين رفضت لقب «البروفيسورة» الذي سبق اسمها في الإعلان المنشور) بفكرة عامة عن طبيعة الجلسة، وبتعريف لصاحبة الورقة الرئيسة، لتبدأ سناء الغامدي تعليقها على تعليقات المداخلين!! والسؤال الذي قد يطرق رأس القارئ المحترم هنا: كيف تبدأ المحاضِرة بتعليق على المعلقين والجلسة في بدايتها؟! يفترض بالتعليقات أن تكون خاتمة اللقاء.. وهذه حيلة «ترفيهية» من حيل المنتدى اللذيذة، كان خلفَها «أجا وسلمى» المنتدى؛ أعني سعيد السريحي وعبدالله الخطيب، مؤسسيْ المنتدى، والقامتيْن الثقافيتيْن اللتين تجمعاننا حولهما، وحول كل ما يمثلانه من ثقافة وفكر وخلق ومنهج علمي رصين. الحيلة ببساطة؛ أن المحاضر الرئيسَ مُلزَمٌ بأن يسلّمَ ورقته للمنتدى قبل الجلسة بوقت كافٍ، لتُنشر الورقةُ على صفحة المنتدى في (الفيس بك)، ثم يرسلُ الأعضاء تعليقاتهم على الورقة -بعد قراءتها- لتنشرَ أيضاً على صفحة المنتدى قبل اللقاء في الجلسة، ثم تكون الجلسة لمناقشة التعليقات الواردة، ابتداء بالمحاضِر الرئيس (صاحب أو صاحبة الورقة)، مروراً بالمشاركين الذين علقوا على الورقة الرئيسة بالكتابة أولاً ثم بقية الحضور ممن يرغب في التعليق صوتياً فقط، وانتهاء -بعد ذلك- بالتعليق الختامي للمحاضر الرئيس. لاحظوا أننا نتحدث هنا عن طبقات من الحوار؛ إذ تدور الفكرة أكثر من دورة: ورقة رئيسة في موقع المنتدى، ثم مشاركات مكتوبة تنشر على الموقع وتتناول أفكارَ الورقة بالتحليل والنقاش، ثم جلسة المنتدى التي تضم تعليقات ومشاركات على التعليقات، ثم ختامٌ يفترض به أن يحمل تعليقَ المتحدث الرئيس حول كل ما مرّ من تعليقات وأفكار.. أظن أنك -قارئي المسكين- وأنت في هذه الدوامة تفكرُ في لعبة المتاهة، أو لعبة الأفعوانية (الرولر كوستر) التي لا نعرفها إلا في الملاهي، وأحب أن أؤكد لك -قارئي المحترم المسكين- أنك على حق إن ذهب عقلك ذلك المذهب، فجلستنا في هذا المنتدى لا تقل ترفيهاً، ولا إثارةً، ولا شعوراً بالدوران العجيب والخدر المريب، بكل ما تحمله من تفكيك وتحليلٍ ونقدٍ ومحاورة للأفكار والمصطلحات التي تتناولها الورقة في الجلسة، والتي حدث أنها كانت هذه المرة عن «خطاب الترفيه»، في مصادفة -نصف برئية- من صاحبة الورقة والله أعلم. لذك تحدثنا في الجلسة عن ماذا يمثله «الترفيه»، وماذا تقوله «فعاليات الترفيه» وموجتها العظيمة المدوخة هذه الأيام، وعن دور المثقف وأدواته في التعامل مع هذا الخطاب.. خطاب الترفيه، تحدثنا عن محمد عبده وعن حفلة الكوريين التي أدهش الإقبال عليها الجميع.. وشدَه بعضهم!! تحدثنا عن السفر من زمن الحداثة لما بعدها، وعن مواسم جدة والرياض وحائل، وعن فعاليات المدن ومناشط القرى ونكهة البوادي، حضر إمبرتو إيكو أحياناً، وكان ميشيل فوكو ضيفَ شرف مركزي في الجلسة، كما مرّ علينا المحمدان: الجابري و العريفي مرورَ كرام... في الختام صفقنا، وضحكنا، وتصورنا سوياً، ثم خرجنا مبتهجين، كما يفعل خارجٌ من فعالية ترفيه.. لا شيء في قلبه إلا الفرح والتفاؤل.. ولا شيء على لسانه إلا: الله!!.. ويا سلااااام!!
مشاركة :