الرقص عند حافة الهاوية

  • 2/14/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

د. محمد السعيد إدريس التطورات الخاصة بالاتفاق النووي تؤكد أن الأزمة ستظل تراوح بين التصعيد والتهدئة دون الوصول إلى حافة الهاوية. من الصعب تصور أن تكون التصريحات التي أدلى بها جوزيب بوريل وزير خارجية الاتحاد الأوروبي في طهران عقب لقائه كبار المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف (3/2/2020) نهاية مطاف التصعيد بين الاتحاد الأوروبي وبالتحديد بين الدول الأوروبية الثلاث: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا الموقعة مع إيران على الاتفاق النووي (يوليو 2015). فالمعنى المؤكد الذي تكشفه إدارة الأزمة الحالية الخاصة بالاتفاق سيبقى ضمن ما يمكن اعتباره «رقصاً عند حافة الهاوية»، يعني تصعيداً من طرف يعقبه تصعيد آخر مضاد من الطرف الثاني ليحدث التراجع من جانب أحدهما لاحتواء الوصول إلى «حافة الهاوية». لكن يبقى السؤال المهم دون إجابة هو: إلى متى سيبقى هذا «الرقص»؟ وهل يمكن فعلاً أن يصل التصعيد إلى «حافة الهاوية»، إما بإعلان الدول الأوروبية الثلاث انسحابها من الاتفاق النووي، وإما بإعلان إيران ليس فقط الانسحاب منه بل الانسحاب أيضاً من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؟ وزير خارجية الاتحاد الأوروبي كان قد أعلن في طهران عقب لقاءاته المذكورة أن«الاتحاد الأوروبي سيمدد إلى أجل غير مسمى، فترة آلية حل الخلافات حول الاتفاق النووي، حتى يتجنب ضرورة إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات جديدة على طهران». وقال:«نحن متفقون على عدم تحديد إطار زمني صارم بشكل مباشر يلزمنا بالذهاب إلى مجلس الأمن»، وزاد في تأكيد ميله إلى التهدئة مع طهران بالقول:«لا نرغب في بدء عملية تفضي إلى نهاية الاتفاق (النووي)، وإنما إبقاء الاتفاق على قيد الحياة». زيارة بوريل لطهران، وهي الأولى منذ توليه هذا المنصب جاءت في أعقاب جولة غير مسبوقة من التصعيد المتبادل بين الدول الأوروبية الثلاث وإيران، بدأتها إيران وعلى لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية عباس موسوي (5/1/2020)، أي بعد يومين من الاغتيال الأمريكي لقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في العراق، حيث هدد برفع جميع القيود المنصوص عليها في الاتفاق النووي، أي الدخول إلى«الخطوة الخامسة والنهائية، من الخطة الإيرانية للرد على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، وعلى التقاعس الأوروبي عن الوفاء بالالتزامات الواردة لصالح إيران في هذا الاتفاق والدفاع عنه»، وهي الخطوة التي تتضمن وفقاً لتصريح موسوي، «التخلي عن جميع القيود المفروضة على الأنشطة النووية الإيرانية، بموجب الاتفاق، بما في ذلك مستوى تخصيب اليورانيوم وحجم اليورانيوم المخصب وعدد أجهزة الطرد المركزي». ردت الدول الأوروبية الثلاثة بتفعيل «آلية فض النزاعات مع إيران» المنصوص عليها في الاتفاق النووي، وهو تطور يمكن أن يقود إلى نقل الملف مجدداً إلى مجلس الأمن، ما يعني أمرين؛ أولهما، إعلان صريح بانتهاء رسمي للاتفاق النووي، وثانيهما، عودة مجلس الأمن إلى إعادة فرض العقوبات الدولية التي كان قد تم رفعها عن إيران عام 2016 كإحدى نتائج التوقيع على الاتفاق. وردت إيران على هذه الخطوة الأوروبية الثلاثية وعلى لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف بالتهديد بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية قائلاً: «إذا استمر الأوروبيون في تصرفاتهم غير المنطقية، وإذا تمت إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي، فإننا سننسحب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية»، تهديد دفع المبعوث الأمريكي لشؤون نزع السلاح روبرت وود إلى استنكار تهديدات ظريف وقال إن «تهديد إيران بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية سيبعث برسالة سلبية جداً جداً». هذا التصعيد دفع الاتحاد الأوروبي إلى محاولة «النزول عن الشجرة» والتهدئة في لقاء بوريل وظريف على هامش اجتماعات «منتدى دولي في الهند» (16/1/2020) حيث صرح بيتر ستانو المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بأن بوريل شدد في هذا اللقاء على وقف أي تصعيد من جانب إيران، كما جدد اهتمام الاتحاد الأوروبي بالحفاظ على الاتفاق النووي، وأضاف أن «الحديث عن وجود رغبة في التوصل إلى اتفاق جديد أمر غير منطقي». زيارة بوريل إلى طهران جاءت ضمن هذا الإطار، ورغم أن ردود الفعل الإيرانية كانت إيجابية على ما طرحه المسؤول الأوروبي حيث أكد الرئيس حسن روحاني أن بلاده «لا تزال مستعدة للتعاون مع الاتحاد الأوروبي لتسوية القضايا، وعندما يقوم الطرف الآخر بتنفيذ كامل التزاماته فإن إيران ستعود إلى تعهداتها أيضاً»، إلا أن دور الاتحاد الأوروبي، وحسب ما أوضح المتحدث باسم السياسة الخارجية للاتحاد «لا يتجاوز دور الوسيط» في الاتفاق النووي، ما يعني أنه غير ملزم للدول الأوروبية الموقعة عليه، خاصة بعد دعوة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للبحث في أنشطة إيران النووية بعد عام 2025 بما يمنع إيران نهائياً من امتلاك سلاح نووي، وبرامج إيران الصاروخية، وكلها تطورات تؤكد أن الأزمة ستظل تراوح بين التصعيد والتهدئة دون الوصول إلى حافة الهاوية. mohamed.alsaid.idries@gmail.com

مشاركة :