تطرق ديفيد كريست في مؤلفه «حروب الشفق» الى حالة الصراع الامريكي-الايراني في العقود الثلاثة الاخيرة مركّزا في البعد العسكري للصراع في فترة حكم ستة رؤساء امريكيين، هم جيمي كارتر ورونالد ريغان وجورج بوش الاب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك اوباما متسائلا عن مفاوضات ايران وامريكا السرية بعد أحداث 11 سبتمبر؟ وما الذي دفع السلطات الامريكية إلى السكوت عن تفجيرات مقرات المارينز في بيروت عام 1983، الذي أودى بحياة 241 جنديا امريكيا؟ وكيف تعاملت واشنطن مع ايران فيما يتعلق ببرنامجها النووي؟ وماهو الدور التفصيلي لايران في لبنان منذ بداية الثمانينات؟ كما ان هناك موضوعات مهمة تناولها «كريست» حيث استغرق بحثه عشرين عاما مستندا على مئات الوثائق السرية وشهادات مئات المشاركين في الاحداث من مختلف البلدان من بينهم كثيرون في مناصب حكومية عليا ومدنيون وعسكريون واستخباراتيون مازجا شهاداتهم بخبرته كعسكري سابق خدم في العراق وافغانستان. من جديد يستيقظ الملف النووي وملف النفط ولكن في زمن الرئيس ترامب، الرئيس السابع والظروف الجديدة عالميا. واذا ما قارنا فداحة الاحتكاكات العابرة بين قفازات ايرانية واخرى مجهولة كما حدث للسفن في الامارات مقابل ساحل امارة الفجيرة والاعتداءات الصاروخية على المملكة والكاتيوشا في محيط السفارة الامريكية في بغداد كمناوشات غريبة ورسائل تسبق العاصفة! فإن خسائر الامريكان في مقرات المارينز في بيروت لا يمكن قياسها من حيث الفداحة، ومع ذلك مرت الامور مرور الكرام وتم تعليق هذا الملف حتى إشعار آخر. كيف سيلعب نظام طهران بالشطرنج مع البيت الابيض ومع رئيس مختلف ووضع دولي وداخلي كل عناصر التهييج نحو المواجهات قائمة، غير أننا لن نجازف في التحليل بتكهنات اشتعال حرب مدمرة عنيفة ومهولة تستهدف تغيير النظام واسقاطه، بقدر ما يمكن ان تحدث مواجهات في المياه الاقليمية بين الجانبين نتيجة المناوشات وانفلات الانضباط العسكري والمركزية بين الحرس الثوري والجيش الايراني، نتيجة تعدد القرارات وتنوع الاسلحة ومهمات كل مؤسسة في النظام الايراني. فاذا ما حدثت اولا الاحتكاكات العسكرية بين الطرفين في المياه الاقليمية، عندها لن تتوقف وتتراجع الولايات المتحدة بالضرب في العمق الايراني لمواقع استراتيجية عسكرية تخلق خللا وارباكا في القدرات العسكرية الايرانية جوا وبحرا، تاركة لقدرات ايران البرية الواسعة والكبيرة لمصير مفتوح للطيران الامريكي بمشاركة الحلفاء غير المعلن. قد تمتد المناورات والتلويح بالحرب لشهور بهدف كسب الوقت والتحضيرات لكي ينخر الحصار الاقتصادي والخنق النفطي في جسد حكومة طهران، حيث الرهان والتعويل على الحصار الاقتصادي كعامل مهم لخلق الاستياء الشعبي والانتفاضة الداخلية، والتي بدت تربتها ناضجة في المجتمع الايراني المنخور والفاسد، ونتائج ذلك العامل قد بدت ثماره واضحة ليس على مؤسسات النظام وحسب وإنما على الاذرع المتعددة من مليشيات واحزاب مساندة للنظام الايراني. طبول الحرب لم يبلغ قرعها عاليا في مداه، ولكن بالامكان سماع صوته من بعيد، مما استدعى وزير خارجية عمان يوسف بن علوي أن يعلن: «أن بلاده تسعى جاهدة لتهدئة التوتر في الازمة الحالية بين الولايات المتحدة وايران» مشيرا الى خطورة وقوع حرب يمكن أن تضر العالم بأسره اذا اندلعت. لم نجد ما هو واضح وصريح بالمعيار السياسي، فالخطاب الدبلوماسي ينحصر في عبارات كالتهدئة والانزلاق والتوتر والمخاطر، مؤكدا بن علوي انه في لقائه بظريف الذي قال له: «هم لا يريدون الدخول في حرب» والامريكيون ايضا لا يريدون الدخول في حرب !! فلماذا كل هذا التهويل والعويل وقرقعة السلاح طالما هذا النفي والاستنكار بضرورة الحرب ؟!!. كما يقول المثل حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له «غير أن الملفت هنا هو توقف الوزير العماني في طهران في طريقه الى لندن مدينة الضباب» ! فهل ستكون رسالة ايران الى الولايات المتحدة عبر الوسيط العماني للصديق البريطاني لعله الدم السكسوني يخفض من توتر غضب ترامب؟! «المستعد للحوار دائما» بشرط تفكيك المشروع الايراني الايديولوجي والعسكري والنووي، لكي يصبح العالم اكثر طمأنينة وسلام مع جمهورية ولاية الفقيه،خاصة دول الجوار التي عانت وتعاني لسنوات طويلة من تدخلاته السافرة.
مشاركة :