«أرض الغد».. رسالة لم تكتمل

  • 6/3/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لو كنت تشاهد هذا الفيلم قبل سنوات، لقلت إنه من صنع الخيال وإن أحداثه ومخلوقاته لا تنتمي إلى عالمنا بأي شكل، ولن تراها تتحقق أبداً. لكنك في العام 2015، ومع كم التقدم التكنولوجي والابتكارات العلمية، فأنت تشاهد فيلم أرض الغد TOMORROWLANDبعين أخرى، تخلو من الإبهار والاستغراب، لأن عينك تعودت على كل هذه المشاهد، والروبوت يحدثك ويمشي معك ويأخذ شكل الإنسان فعلاً. اليوم تشعر بأن الفيلم أقل من مستوى التطور السريع الحاصل في العالم، وأن الغد فيه يكاد يكون اليوم أو أمس. سمعنا عنه الكثير، وتشوّق الجمهور لمشاهدة نجمه المحبوب جورج كلوني في فيلم ثان يحلق فيه على أجنحة الخيال العلمي في عالم الفضاء والمركبات، بعد فيلم الجاذبية مع ساندرا بولوك الذي حصد شهرة واسعة ونال جوائز عدة. وهذه المرة يأتي كلوني وحيداً بلا نجمات من الصف الأول ولا أسماء تزن ذهباً في هوليوود، لكنه يتعامل مع شركة والت ديزني منتجة الفيلم التي قيل إنها أرادت من أرض الغد أن يكون فيلماً عائلياً يشاهده الكبار والصغار ككل أفلام ديزني. للأسف، أهداف ديزني لم تتحقق، لأن العمل بالكاد يكون للكبار لشدة غموض مشاهده وأحداثه وتداخلها ببعضها بعضاً، ما يجعل مهمة فهم الفيلم صعبة على الأطفال. ولعل هذا التشويش في الفكرة، أدى إلى ابتعاد الجمهور عن الفيلم، وعدم تحقيقه أرباحاً عالية كما كان متوقعاً له، حتى إن كان يصنّف جيداً ويستمتع به من يحب أفلام الخيال العلمي وعشاق جورج كلوني طبعاً. المخرج براد بيرد الذي اشتهر بأفلام التحريك ونال الأوسكار عام 2007 عن فيلمه راتاتوي، لم ينجح في إيصال فكرة أرض الغد رغم أنه اسهم في كتابته مع دامون ليندلوف الذي كتب مسلسل LOST ومعهما جيف جينسن. ورغم الهدف والرسالة النبيلة التي ود إيصالها إلى الجمهور، إلا أنه لم يركز على الكوارث التي تعانيها الكرة الأرضية إلا في مشهد واحد وفي النصف الأخير من الفيلم. مشهد كان يجدر به التركيز عليه والتوقف أمامه أكثر والانطلاق منه لطرح أزمة الأرض بسبب ما يفعله بها الإنسان، خصوصاً أن الممثلة بريت روبرتسون (بدور كاسي نيوتن) أجادت أداء اللقطة المؤثرة حين كانت تحرك كرة ضخمة بأصابعها لترى من خلال شاشة كبيرة أمامها ما سيحصل في العالم كله في المستقبل. كل ما رأته موت، حروب، قتل، تلوث، وتفجيرات.. تصاب بذعر وتسعى مع الروبوت أثينا (رافي كاسيدي) والمخترع المنعزل فرانك واكر (جورج كلوني) إلى القفز نحو المستقبل من أجل تغيير هذا المصير الذي يتلاعب به المخترع الكبير فرانك نيكس (هيو لوري). يبدأ الفيلم بفرانك واكر يتحدث إلى كاميرا الفيديو ليحكي عن أرض الغد، وإذا بصوت يستوقفه كل مرة ليصحح أو يغير، ثم تظهر كاسي نيوتن التي تقوم بتصويره وتطلب منه أن يعود إلى البداية، وحلمه هو بالمستقبل. من هنا نعود إلى طفولة فرانك عام 1964 حين أراد أن يقدم اختراعه في مكان مخصص للمبتكرين، فيتم رفضه. تراه طفلة جميلة فتهديه زراراً عبارة عن شارة يعلقها على صدره تخوله الدخول إلى أرض الغد. هنا نرى جزءاً من عالم ديزني الخيالي الذي يستمتع به الأطفال في ديزني لاند، والمكان يشبه في بعض ملامحه هذه المدينة المشهورة بالمغامرات والإثارة. بين الماضي والحاضر حيث تعيش كاسي المتمردة وصاحبة الفضول الكبير لمعرفة أبعاد الأشياء، تختلط اللقطات ويتوه المشاهد بين هوية الأشخاص وما يفعلونه. كاسي أيضاً تكتشف هذا الزرار وما أن تمسكه حتى تنتقل إلى عالم آخر. ثم نفهم أن الروبوت أثينا اختارتها لتأخذها إلى حيث يعيش المخترع فرانك، كي تحثه على استكمال مهمته، والعودة إلى أرض الغد التي هجرها بسبب نيكس الشرير، علهما يستطيعان، بمساعدة أثينا، إنقاذ الأرض من المستقبل الأسود. جورج كلوني يجيد لعب كل الأدوار وبسلاسة ليتألق دائماً، كما أن كل المشاركين في الفيلم أجادوا أداء أدوارهم، ما يعني أن المشكلة هي في حبكة القصة وتداخل أحداثها. وللمخرج هفوات ولفتات جيدة في آن، فهو لم تفته تفاصيل دقيقة وصغيرة، مثل تطور الروبوت أثينا مع تطور الزمن من حيث ملابسها وطريقة تصرفها، فهي كانت تشبه أودري هيبرن في الستينيات، ثم أصبحت كأي فتاة أمريكية عصرية حين جاءت للقاء كاسي. بقيت طفلة، بينما صديقها فرانك (الإنسان) كبر وتغيرت ملامحه. ولكن اللفتة العاطفية لم تكن منطقية، حيث أراد المخرج أن يحرك عواطف المشاهدين من خلال إنهاء دور أثينا بموتها، لتستعيد شريط قصتها مع فرانك وهي بين ذراعيه تنازع. والمفروض أن الروبوت لا يعرف العواطف، ولا ينازع قبل توقفه، ولا يستعرض اللحظات الشاعرية وهو بين ذراعي صاحبه. كان بالإمكان تحميل رسائل إنسانية عميقة للحد من المخاطر التي تتهدد الأرض، وبطرق سينمائية مشوقة ومثيرة أفضل مما شاهدنا. فمشهد مستقبل الأرض الذي يقدمه المخرج جميل، وهو ما تعيشه مناطق كثيرة حول العالم اليوم، ونرى في فرانك نيكس نماذج من مسؤولين عن هذا المصير المظلم للأرض والبشر، لكنه مشهد ناقص، كما أن مهمة جذب الأطفال إلى هذا العمل لم تكتمل بسبب تشابك الأفكار وعدم وضوحها، ما أدى إلى إحساس المشاهد ببعض الملل أحياناً. كثيرة هي اللقطات الجميلة خصوصاً داخل أرض الغد التي ينتقل إليها فرانك واكر حين كان طفلاً عام 1964، ثم انتقلت إليها كاسي نيوتن بسبب فضولها وحبها للمعرفة، فاختارتها الروبوت أثينا لاستكمال المهمة التي تركها فرانك وقرر العزلة. ومن أجمل المشاهد، صعود صاروخ من قلب برج إيفل، الذي ينشق طولياً كباب ينفتح ليمر الصاروخ إلى الفضاء، ويصل إلى مركبات أرض الغد. لكن القطارات الإلكترونية والرجل الطائر ونساء ورجال الفضاء، كلها مشاهد أصبحت من عالم اليوم ولم تعد من أحلام الغد.

مشاركة :