«بوح الشخوص» لهائلة الوعري.. ما تقوله الأشكال عنك

  • 2/15/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عبر شخوص تسكن اللوحة، كما لو أنها تروي حكاية ما، تبوح الفنانة البحرينية هائلة الوعري بدواخلها من خلال مزيج متقن من اللون، والتقنية، وحركة الشخوص في فضاءات العمل الفني، من خلال معرضها «بوح الشخوص» الذي افتتح في الخامس من (فبراير) بـ«مركز الفنون»، إذ في هذا المعرض الذي نظمته «هيئة البحرين للثقافة والآثار» تتجاوز الحالة التجريدية للشخوص مختلف التأويلات، لتكون في قبالة المتلقي حكايةً تفيض بغوامض المعنى، وبمعانيها النفسية التي يمكن للذات الرائية أن تستنطق وفق خلفياتها العمل الفني.«جنوح الفكرة»تنتمي لوحات الفنانة الوعري للحداثة التشكيلية المعاصرة التي ترتكز في تكوينها على التقنيات التعبيرية، فالوعري التي دخلت غمار الفن التشكيلية بوصفها هاوية، واحترفته فيما بعد، عبر مشاركات متعددة على الصعيد المحلي والدولي، تبوح في هذا المعرض بخلاصة تجربتها، من خلال اشتغالات حديثة، أنتجت العام الماضي (2019)، تبوح فيها، كما تبوح شخوص اللوحة، عن «جنوح الفكرة، وقوة اللون»، كما تقول الفنانة، مضيفةً «أكرس أعمالي التشكيلية من أجل فن تجريدي حديث، وفضاء واسع، وحرية متخيلة، ذلك لتكون قوة هذا البوح خطابًا متكاملاً يخلق حالةً حواريةً مع المتلقي».وللمتلقي أن يستشفّ تلك الحالة الحوارية التي يدخل فيها قبالة كل عمل من أعمال المعرض، فمن خلال الشخوص التي تعد مرتكزًا في العمل الفني، يحبك المتلقي حكايته التي يؤلف من خلالها فهمًا للوحة، ويستكمل المشهد بالتداخلات اللونية التي تعطي للعمل طابعه العاطفي، إذ نجد بعض الأعمال كما لو أنها تعكس حالةً فرائحيةً تعيشها الشخوص، مع انسيابية في حركة الأجساد التي تشبه الرقص، وأعمالٌ أخرى تنغمس فيها الشخوص المتقابلة، كما لو أنها في حالة حوارية ما، بالإضافة لتلك الأعمال التي توحي للمتلقي بحبك قصته وفق انطباعه، أكان أملاً، أو ضجرًا، أو سكينةً، أو حيرةً، أو غير ذلك من الحالات المشاعرية، فكل الاحتمالات مفتوحة في ظل شخوص تتخذ حالات متعددة، وألوان تشرع للمتلقي فضاءات التأويل، عبر تعدديتها وتعددية الشخوص التي تجيء في بعض اللوحات فرادى، وفي أخرى مجاميع.عمّا تبوح به الشخوصتشير الوعري إلى أن علاقتها بالشخوص علاقة حميمية، «تبدأ من أول خط وضربة لونية أضعها فوق مساحات اللوحة البيضاء، وأتحرك بشغف وجرأة على مساحاتها الواسعة.. فأضع البداية، وأهيم في تخيل النهاية، حيث تبدأ شخوص اللوحة في تشكيل نفسها عبر دراما لونية، مثيرة بأحجامها، وقاماتها، وحركتها، وحواراتها المزاجية الهادئة في لوحات، والصاخبة في أخرى». هذه العلاقة بين الوعري وشخوصها تعيد لها توازنها في الواقع الحياتي، كما تقول، «قد أجهل ما يدور في خلد تلك الشخوص التي ابتكرها، ولا أعرف ما خلف صمتها، بيد أني مدركة بأنها تعيش حالةً من التناقض النابع من واقع الحياة، صمتٌ، وضجيجٌ، وبوحٌ.. كل ذلك يشكل نبض التلاقي بيني وبين شخوصي».وبذلك تكون الشخوص في لوحات الوعري متعددة الحالات، بعضها بارزة بكل وضوحها الشكلي واللوني، وبعضها الآخر غائر في اللوحة، ومبعثر بين تفاصيلها، كحالة غامضة، وشخوص أخرى مبالغ في حالتها اللونية، كأنها تشي بشيء ما. كذلك نجد الشخوص تتعدد من حيث وضعياتها، فبعضها في حركة والأخرى في سكون، كأنها تعكس حالةً حوارية بين السكينة والحركة، فوسط هذا الاضطراب، هناك من يستطيع أن يجد طمأنينته. اما اتخاذ تلك الشخوص للون الأسود، كما لو أنها ظلٌ لتلك الأفكار التي شكلتها، فتبيّن الوعري «الأسود تعبيرٌ عن الانفعالات المقروءة في حركات الشخوص»، لتجيء بعد ذلك الأحجام، إذ تتكثف المادة اللونية الثرية التي «تخلق حالةً جريئة من التأمل والحوارية، لتمتد على مساحات واسعة من اللوحة، معطيةً لي حرية إضافية لحركة الريشة واللون».ما وراء فلسفة اللونإلى جانب تعددية الشخوص، تتعدد الألوان، فمن طغيان الأزرق، إلى حضور الأخضر، والرملي، والأحمر.. بالإضافة إلى المزيج المتشكل في بعض اللوحات التي توحي بمشهد تريد له الفنانة أن يكون واضحًا في بعض لوحاتها، كمشهد المساحات الواسعة التي تمزج اتساع الصحراء، بأفق السماء، وترتكز الشخوص في جانب من جوانب اللوحة، لاستكمال الصورة. لوحاتٌ أخرى بحلتها الحمراء تتداخل فيها الشخوص، كما لو أنها تحكي حالةً أشبه بحالة فوضى الجحيم، أو ما يمكن أن يؤول بحالة واقع مضطرب بالصراع والحروب، إذ تتداخل درجات اللون الأحمر، لون الدم، بتداخل الشخوص، كما الأشلاء.تقول الوعري: «اللون طاقةٌ مختزنةٌ لدي، أجيد اختياره ومزجه بحرفية عالية، فالأزرق هو لوني المفضل الذي يظهر بشكل طاغٍ في أعمالي بدرجاته المستمدة من زرقة البحر والسماء، موحيًا إلى الإلهام، والصفاء، لكن هذا اللون يتسع للتفسير، فالبعض قد يعني له الحزن والعزلة، ولكل قارئ حرية أن يره كما يشاء».أما الأفكار والصور الذهنية فليست مقصودة حين تباشر الوعري الاشتغال على عملها، إنما «تجيء على شكل ومضات لتوحي بالفكرة التي يدعمها اللون، وتلعب التجربة الشخصية، والحالة النفسية دورًا مهمًا في قراءة العمل الفني وتفسيره فيما بعد»، بيد أن الوعري شغوفة بالاشتغال على اللون الصعب، «أحس كأنه تحدٍّ لي، فاللوحة التي لا تحتفي باللون لا تعطي قيمتها الإبداعية»، وهكذا تفيض لوحات الوعري بالألوان، لتعكس تعددية المشاعر التي يمكن للمتلقي أن يؤسس على أساسها قراءته للعمل الفني.

مشاركة :