خبر من ثلاثة أسطر في «الأهرام» على الصفحة الأخيرة: يقام غدا في الجامعة الأميركية احتفال تقدم خلاله أرملة أنيس منصور مكتبته التي أوصى بها إلى الجامعة. الله يرحمك. كان ظاهرة بين القراء وكبيرا بين الكتّاب. لا تذكر «الأهرام» عدد الكتب ولكنه كتب يوما في مصباحه، على يسار هذه الصفحة أن عنده 50 ألف كتاب. البشر من طين، وبعضهم من طين وحبر، قراءة وكتابة. كلما عاد من عند «غالينياني» في باريس، كنت أسأله بكم كتاب عاد؟ وكان يقول بكل جدية، بالجناح الأيسر من المكتبة. وهنيئا للجامعة الأميركية بما أعطيت، فقد أعطيت مكتبة لا مثيل لتنوعها. كان شغوفا بالقراءة بكل حواسه وكان يقرأ بلغات كثيرة، ويسافر إلى بلدان كثيرة، وكان عجيب الاهتمامات: من الفلك، إلى مارلين مونرو، إلى ألبرتو مورافيا. كيف ستكون مكتبة وضع صاحبها أكثر من 200 كتاب؟ أرجو أن تذكر هذه العطية الجامعة في القاهرة كم هو محدود قسم الإعلام في مكتبتها. بل ربما كم هو هزيل، في بلد كانت فيه الصحافة شريكة الحياة الوطنية والسياسية على اختلاف أشكال الحكم. لعل في تبرع أنيس ما يعوض هذا النقص غير اللائق. ففي إمكانك الحصول على مراجع في جامعة «آيوا» أكثر مما هو متوافر في وسط القاهرة. أتمنى أن أقترح على الأستاذ عبد الناصر سلامة، شيئا يدرس مدى صوابه. لماذا لا تعيد «الأهرام»، كل يوم، نشر زاوية من ذلك المخزون الصحافي الذي تكون لديها على مر السنين؟ ذلك النوع من الزوايا غير الموقوتة التي لا تزول مع زوال يومها، وتعطي في الوقت نفسه صورة أو فكرة عن أحوال مصر، والعرب في تلك المراحل. لقد مر على الصفحة الأخيرة أساتذة ومعلمون وبعض من آباء الحياة اليومية في مصر. وفيما كانت الصفحات الأولى تعكس الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية، كانت الصفحة الأخيرة تعكس عصارة الأيام جميعا، وقد تغير شكل الصفحة الأخيرة، من يوم كان كمال الملاخ في الستينات يرسم تصميمها ويكتب عناوينها بخطه، وهو للمناسبة «عالم آثار» اجتذبه محمد حسنين هيكل إلى المهنة. حاولت صحف مصر على مدى السنين إنزال «الأهرام» من موقعها التاريخي الأول، لكن في مراحل الضعف ومراحل القوة ظلت أولى في عالم الورق، كما هي الأهرام الثلاث في دنيا الآثار. كم كان «آل تقلا» نبهاء عندما أسسوا جريدة في الإسكندرية وسموها «الأهرام»، أي لكل مصر. ربما العقدة اللبنانية جعلتهم يختارون الاسم لكي لا يبدوا غرباء أو أقل حماسا للبلد المضيف. هكذا أيضا سمى المسيحي جرجي زيدان داره «الهلال». بما أن مصر بلد تعيش فيه المؤسسات، لقد نمت هذه الدور في كل عصور مصر. والسبب أنها وقفت مع الدولة لا مع الحكومة، وصمدت صحافة مصر في وجه آثار التأميم. صعدت وهبطت لكنها صمدت. بعض الأسماء المصرية الصحافية كانت في كل بيت عربي مثل أهل الشعر والغناء والسينما. لا شك أن أنيس منصور كان أحد تلك الأسماء. كما لا شك أنه من بين ذوي الأسماء الذين أعطوا «الأهرام» قدر ما أخذوا منها.
مشاركة :