تجنُّبُ رئيس الوزراء العراقي المكلّف محمد توفيق علاوي إسناد مناصب وزارية في حكومته المرتقبة لشخصيات بارزة في أحزابها، لا يعني بأيّ حال خروجه عن مبدأ المحاصصة الأساسي في العملية السياسية. فالأحزاب ذاتها التي تقاسمت المناصب في حكومات سابقة لا تزال تناور لنيل حصصها في حكومة علاّوي وإن آثر بعضها التخفي وراء شعارات من قبيل منح الحرية لرئيس الوزراء في اختيار أعضاء حكومته. بغداد - يحرز رئيس الوزراء العراقي المكلّف محمد توفيق علاوي تقدّما ملحوظا في مسار استكمال تشكيل حكومته، بعيدا عن شعار الاستقلالية عن الأحزاب الذي يرفعه، وباعتماد مبدأ المحاصصة الحاكم للحياة السياسية في البلاد، والذي يبدو من الصعب التخلّص منه دون إجراء تغييرات جذرية على طبيعة النظام القائم والتخلّص من سطوة القوى المهيمنة على مقاليد السلطة الفعلية والمتحكّمة بمقدّرات الدولة. وتشير تسريبات خاصة حصلت عليها “العرب” إلى أنّ علاّوي أتمّ اختيار مرشحي الحقائب الوزارية من الشيعة والسنّة، بانتظار حسم اختيار المرشحين الأكراد. وعلمت “العرب”، أن قيادات سياسية سنيّة بارزة تبادلت مع رئيس الوزراء المكلف رسائل خلال الأيام القليلة الماضية أفضت إلى توافق غير معلن بشأن الوزراء السنّة في الحكومة المنتظرة. ويقول مراقبون إن بإمكان القوى الشيعية التي توافقت على ترشيح علاوي أن تضمن له مرور كابينته الوزارية عبر البرلمان، لكنها حثّته على العمل من أجل الحصول على رضا السنّة والأكراد. وتريد القوى الشيعية، أن تكون نظيرتها السنية والكردية الشريكة في الفساد وسوء الإدارة والفشل، حاضرة في الكابينة الجديدة، كي تشترك معها في مواجهة الشارع المنتفض منذ أكتوبر الماضي. وعقد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي يعد أبرز أقطاب السياسة السنية في العراق حاليا، مساء الخميس، اجتماعا مع وزير المالية فؤاد حسين في الحكومة العراقية المستقيلة، وهو كردي مقرّب جدا من مسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني أكبر الأحزاب الكردية في العراق، لبحث “ملف تشكيل الحكومة” و”الأوضاع السياسية وتطوّراتها، والتأكيد على ضرورة أن تكون للقوى السياسية رؤية واضحة لإدارة شؤون البلاد وتحمّل المسؤوليات، من أجل تنفيذ تطلعات جميع مكونات الشعب العراقي”. وعلى العكس من القوى السياسية الشيعية التي تحاول المناورة بالتسويق لاستقلال رئيس الوزراء المكلّف وعدم خضوع تشكيل حكومته لمبدأ المحاصصة المعمول به في العملية السياسية العراقية وبالتالي عدم سعيها للحصول على مناصب وزارية في تلك الحكومة، يطالب السياسيون الأكراد والسنّة صراحة بحصّتهم في حكومة علاّوي المرتقبة. وقالت إخلاص الدليمي النائبة عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني بمجلس النواب العراقي إنّه “لا تنازل عن حصة الأكراد” في الحكومة. وأكّدت أنّ “تمثيل الأكراد في التشكيلة الحكومية الجديدة باق بالنّسبة المحددة ولا يمكن التنازل عنه”، معتبرة أن “التمثيل الكردي والسنّي مطلب لا يمكن الحياد عنه”، “فكما أنّ هناك تمثيلا برلمانيا، هناك تمثيل وزاري للمكوّنات”. ولفتت إلى أنّ “رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي من المكون الشيعي، فبالتالي يجب أن تحتفظ باقي المكونات بتمثيلها في الحكومة وباقي مفاصل الدولة”. وغير بعيد عن هذا المنظور، أوضح السياسي السني ظافر العاني موقف القوى السنّية من حكومة علاوي المنتظرة بعدما تسرب أنها لن تأخذ المحاصصة الطائفية والقومية بعين الاعتبار إرضاء للمتظاهرين، مشيرا إلى صعوبة نيلها ثقة البرلمان “في حال استمرت الاعتراضات على طبيعة تركيبتها”. وانتقد العاني استناد الحكومة الجديدة إلى مجرّد تفاهم بين مقتدى الصدر الذي يرعى تحالف “سائرون” أكبر كتل البرلمان، وبين تحالف الفتح المقرّب من إيران بزعامة هادي العامري من دون التفاهم مع السنّة والأكراد، محذّرا من أن الصدر والعامري لا يمثلان أغلبية العراقيين. لا مشكلة في تمرير الحكومة بالبرلمان إذا ضمنت مصالح الأحزاب، لكن المشكلة في فرضها على الشارع المطالب بالتغيير وردا على التوقعات التي أشارت إلى أن علاوي قد يمضي نحو البرلمان للحصول على تأييد القوى الشيعية بعدما أتمّ اختيار مرشّحي الحقائب التي كانت محسوبة عليها في حكومة عادل عبدالمهدي المستقيلة، قال العاني إنّ “من الصعب عرض الكابينة الوزارية الجديدة على البرلمان، في ظل رفض المكوّنين السني والكردي وسلسلة التحفظات التي لديهما عليها”، مستبعدا الكشف عن أسماء المرشّحين في الحكومة الجديدة قريبا بسبب “الاعتراضات السياسية التي تواجهها”. وقال العاني إنّ “السنّة لا يقبلون مصادرة حقّهم بمعرفة الوزراء الذين سيمثلون المكوّن”، متهما علاوي باحتكار المعلومات الخاصة بالتشكيلة الوزارية الجديدة. لكن الأوساط السنية كانت أكثر هدوءا بشأن حكومة علاوي يوم الجمعة، بعد الإشارات إلى توصّل الطّرفين إلى تفاهمات ضمنية. ووفقا للتسريبات التي وصلت إلى مراسل “العرب” في بغداد، فإن الشخصيات السياسية السنّية المرشحة للدخول في حكومة علاوي، ليست من الصف الأول، لكنها جديدة على المناصب الكبيرة، أو سبق لها أن شغلت مواقع صغيرة في الحكومات المحلية التي أدارت المحافظات السنّية. وتقول المصادر إن صعود هذه الشخصيات إلى مناصب وزارية في حكومة علاوي، قائم على رضا الزعامات السياسية السنّية، نظرا لرغبة الجميع في تجنّب ترشيح شخصيات إشكالية تعقّد مهمة تمرير الكابينة الجديدة أو تتسبّب في استفزاز المتظاهرين. ويقول مراقبون إن أجواء الكواليس السياسية توحي بإمكانية حصول حكومة علاوي على الثقة في البرلمان في حال انعقاده بدءا من يوم الأحد المقبل. وفي ظلّ النجاح في إيجاد وصفة لإرضاء الأحزاب السياسية وطمأنتها على ضمان مصالحها في الحكومة القادمة، فإنّ إشكالية تمرير الحكومة لن تكون داخل الطبقة السياسية وبين الأوساط الحزبية، لكن من خلال الشارع الذي يبدو على دراية تامّة بما يجري من مناورات، وهو يرفض من الأساس إسناد تشكيل الحكومة لعلاوي، ويُظهر تحفّزا لتصعيد حراكه خلال الفترة القادمة. وأعلن ناشط بارز في التظاهرات ترشحه لمنصب رئيس الوزراء، مثيرا جدلا حادّا داخل أوساط المحتجّين. وكان الصيدلاني علاء الرّكابي الذي لعب دورا بارزا في تحويل احتجاجات محافظة ذي قار جنوب العراق إلى انتفاضة شعبية واسعة ضد الأحزاب المحلية الموالية لإيران، أعلن أنه ترشّح لمنصب رئيس الوزراء بناء على طلب من ممثلي التظاهرات في تسع محافظات عراقية، مطالبا المحتجين بتحديد موقفهم من هذه الخطوة. وقال الرّكابي إنه قبل هذا الترشيح بعدما تسرّب له أنّ علاوي قد يحصل لحكومته على ثقة البرلمان في أيّ لحظة، داعيا إلى تحرّك الشارع لقطع الطريق على هذه الخطوة. لكن اللاّفت أن ما أقدم عليه الرّكابي تسبب في انقسام النشطاء الذين يرى كثير منهم أن حركات الاحتجاج لا تنتج ساسة ومسؤولين، بل تجبر هؤلاء على تغيير القواعد التي تحكم عملهم.
مشاركة :