دبا الحصن: «الخليج» شهد جمهور مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي في يومه الثالث، العرض المصري «مكان مع الخنازير» من تأليف الجنوب إفريقي أثول فوجارد، وإخراج جمال ياقوت، وقدمته فرقة كريشن وشارك في تجسيده فوق الخشبة محمد مرسي، وآية بدر. تحكي المسرحية عن جندي سوفييتي لم يلتحق بميدان المعركة في الحرب العالمية الثانية، وقد حبس نفسه في حظيرة خنازيره لأكثر من عشر سنوات، منفصلاً عن العالم، لئلا يُفضح أمره ويحاكم. يستعيد الجندي خلال العرض طفولته وعلاقته بوالده القاسي، ليشرح كيف تسرب الخوف إلى نفسه واستحوذ عليه وحكم شخصيته، كما يطرح أسئلة حول الحرب والشجاعة، والفرق بين الحياة والحبس والحرية. وفي الندوة التطبيقية التي تلت العرض، قال مدير الندوة الناقد محمود سعيد (مصر) إن المخرج ياقوت شاء أن يكون وفياً لنص الكاتب، وحافظ على السياق الثقافي والاجتماعي للعمل، في إشارة إلى أن الإحالات الرمزية التي شكلها المخرج عبر السينوغرافيا تحيل إلى أن وقائع العرض تجري في روسيا في زمن الحرب. وامتدح عماد الشنفري (عمان) المقاربة الجمالية للعرض، وتوظيف الإضاءة والسينما لإضفاء أبعاد بصرية جاذبة، ولكنه أخذ على المخرج إفراطه في استخدام المواد الفيلمية على حساب العناصر المسرحية الأخرى. وتحدث ميسرة صلاح الدين (مصر) عن الصعوبة التي تنهض أمام أي مخرج مسرحي حين يقدم مسرحية «عالمية»؛ إذ إن الصور الذهنية حول هذه المسرحية تشكل تحدياً. فالمخرج يجد نفسه محل مقارنة مع المقاربات الإخراجية السابقة للعمل نفسه. وطرح صلاح الدين سؤالاً حول أسباب ظهور الخنازير في المشهد الأخير رغم أنها كانت حاضرة بصوتها على مدار لحظات العرض؟ من جانبه، قال الحسين الشعبي (المغرب) إن العمل يستحق الإشادة، وأضاف: «أكثر ما أعجبني هو الكتابة الدراماتورجية التي أفلح فيها الفنان ياقوت، فلقد اختار من النص ما يريده»، وأبدى الشعبي إعجابه بأداء الممثلين، مشيراً إلى أن السينوغرافيا لم تساعدهما على إبراز مهاراتهما أكثر. ولفت الشعبي أيضاً إلى استخدام الفيديو والسينما في المسرح وقال: «إن احتياج المخرج للفيديو ليس إلا شكلاً من أشكال العجز عن إدارة حلوله المسرحية». وفي تعليقه على المداخلات قال جمال ياقوت إنه قدم «مسرحية تعبيرية»، في إشارة إلى مداخلة الشنفري، مبيناً أن الممثل محمد مرسي لا يمكن أن يكون كوميدياً إلا في عمل كوميدي. ودافع عن استخدامه الفيديو عن طريق «الفلاش باك» للإضاءة على بعض الجوانب في حياة الشخصية الرئيسية في المسرحية. وتضمن اليوم الثالث من المهرجان ورشة تدريبية بعنوان «الأزياء في المسرح المدرسي» قدمتها رفيقة بنميمون من المملكة المغربية، وشهدت إقبالاً واسعاً من المتدربين. 4 أوراق بحثية انطلقت مساء أمس الأول في المركز الثقافي لمدينة دبا الحصن فعاليات ملتقى الشارقة السابع عشر للمسرح العربي، الذي جاء هذه السنة تحت شعار «المسرح والخيال»، وفي الجلسة الأولى التي أدارها المسرحي الإماراتي عبدالله راشد، تحدث أولاً أحمد بدوي، عبر ورقة بعنوان «الفن المسرحي بين الحقيقي والتخييلي». وأشار إلى أن دراسة الخيال ظلت صفة لازمة من صفات الفن المسرحي الراقي طوال تاريخ هذا الفن، مبيناً أن جهود النقاد ظلت تدور حول الكشف عن حقيقة الصلة بين الفن والحياة والخيال. واستعرض بدوي جملة من المفاهيم التي أسبغت على مصطلح «خيال» في التاريخ الأدبي، وفي المذاهب والتيارات المسرحية، خلال حقب عديدة، خاصة في أوروبا. كما تناول مجموعة من النصوص المسرحية العربية قارئاً تداخل الخيال والواقع والحلم في ثناياها. وتحت عنوان «شعرية الخيال في العرض المسرحي» جاءت الورقة الثانية في الملتقى وقدمها الباحث المغربي عمر الرويضي، الذي ذكر أن «أول تماس للخيال مع الإبداع انعكس من خلال علاقته بالشعر، لينتقل بعد ذلك إلى مجالات معرفية وفنية أخرى من أهمها المسرح»، على أن التناول الملتزم لموضوع الخيال في علاقته بالمسرح ما زال يحتاج إلى أكثر من دراسة، كما قال الرويضي، مشيراً إلى أن توظيف الخيال في المسرح يختلف عن باقي الأشكال الإبداعية الأخرى «على اعتبار أن الصناعة الإبداعية في الشعر أو القصة أو التشكيل، تقتضي بعداً تخييلياً واحداً، عكس المسرح الذي يتوقف فيه الخيال على مشاركة خيالية متنوعة، يشترك فيها صانعو العرض المسرحي؛ لأن المسرح تجربة جماعية تنسج تفاصيلها جماعة بشرية بأبعاد خيالية متنوعة، يقاربها النص الدرامي وينظمها المخرج المسرحي». وارتكزت ورقة الباحثة الجزائرية صورية غجاتي التي جاءت تحت عنوان «الجسد قرباناً للخلاص.. الواقعي والماورائي في مسرح القسوة»، على تجربة الفنان الفرنسي أنطوان آرتو (1896 1948) التي أثمرت نظرية «مسرح القسوة»، واعتبرت من العلامات الفارقة في تاريخ المسرح العالمي. وأشارت غجاتي إلى أن آرتو الذي اتُهم بالجنون وحُجر عليه في المصحات النفسية جعل من المسرح «مُعادلة ذات طرفين: الواقعي والماورائي»، وفي هذا الإطار استعادت الباحثة جملة من أفكار آرتو النظرية، واستعرضت بعض التجارب العربية التي استلهمت تجربته. أما الكاتب المصري ميسرة صلاح الدين، الذي قدم ورقة تحت عنوان «الصورة التي لا تكتمل.. قراءة في تقنيات مسرح ما بعد الدراما»، فقد اختبر مفهوم «الخيال» في علاقته بتجارب مسرح «ما بعد الدراما»، لا سيما على مستوى الأداء المسرحي بمكوناته «النص، والفضاء المسرحي، والوسائط المتعددة». كما مرّ على مفاهيم وتطبيقات جديدة ارتبطت بمسرح ما بعد الدراما وطرحت أشكالاً مسرحية جديدة أقل ارتباطاً بالفعل المسرحي التقليدي، وأكثر ارتباطاً بالتقنية العملية والكود البرمجي؛ أي تقنية الواقع الافتراضي التي تقدم في النهاية صورة غير تقليدية، وربما تكون متشظية الأجزاء، لكنها جديدة ومختلفة وتفتح مساحات جديدة من الإبداع والخيال القائم على العلم والتجريب. وتحت عنوان «تغريب الأبنية التخيلية.. المسرح النسوي العربي نموذجاً»، جاءت الورقة الأخيرة التي قدمها الباحث الكويتي جاسم غيث، الذي ناقش من خلالها تفاعل الكاتبات الكويتيات مع نصوص المسرح الغربي، عبر الاقتباس والتناص، ومدى انسجامها مع سياقهن الثقافي.
مشاركة :