عندما تفتقد المعلومة التي تشبع بها ذلك الفضول، وتروي بها غريزتك الصحفية، فربما يكون التفتيش فيما تحت بلاط صاحبة الجلالة هو الأقرب، خاصة لصحفي متمرس، عرف كثيرًا عن كواليس المطبخ الصحفي، ونوادره ومعاركه التي لا تتصدر عناوين الموضوعات، فأبناء المهنة عادة لا يهتمون سوى بملاحقة الحقيقة، أو ما يظنون أنها حقيقة. ورواية “رقصة اللبلاب” للزميل الصحفي «محمد رفعت»، ليست الأولى التي تتحدث عن سلوكيات الصحفيين وما يدور داخل المؤسسات الصحفية من نفاق، أو مداهنات، أو حتى دهس لمواهب ربما لو قدر لها أن تكون في مكانها الحقيقي لغيرت كثير من الواقع. يطغى النفس الصحفي على الرواية، وتفاصيل أحداثها، فكأنك تتابع تفاصيل جريمة يتكشف منها فصل تلو الآخر، تحمل بين طياتها كل تفاصيل العمل الروائي الجيد، من حبكة درامية وتفاصيل الشخصيات وتتبعها، وتطورها، ولو التفت صناع الأعمال الدرامية لهذه الرواية لتصدرت السباق الرمضاني أو السينمائي، بعد أن افتقدنا زمنًا تقتبس فيه الأعمال السينمائية والدرامية عن روايات أدبية. لغة الرواية سهلة، سريعة الإيقاع، تتماشى مع سرعة الحياة الحديثة، استطاع الكاتب بحرفية ما يملك من أدوات أن يطوع الرواية وكأنها فصل واحد متصل، وكأنك ترتشف كوبًا من الشاي دفعة واحدة، ولا مجال أن تضعه أمامك للحظات، فهكذا كانت “عفاف” بطلة الرواية سريعة التنقلات، ما أن تنتهي من علاقة حتى تبدأ في أخرى، تلتئم جراجها في لمح البصر، وربما لم تكن بتلك الرفاهة التي تظنها كقارئ. نجح الكاتب إلى حد بعيد أن يجعل من “عفاف” شخصية محورية لكل الأحداث، شخصية تدور في فلكها كل الشخصيات الأخرى، من أحبها، وعشقها، ومن خانها، أو كرهها، وربما النجاح الأكبر كان في ذلك النفور الذي تسرب إلى – كقارئ-، طغيان النفس الذكوري كان واضحًا، يقدم عفاف تلك الصحفية متواضعة الأفكار والثقافة، فائقة الجمال والحضور الذي يبهر كل مَنْ يراها، رغم عدم واقعية هذا النموذج، إلا أنها كانت كذلك، شهية، بهية، وكما هو النموذج السائد أن هذا الجسد الفاتن على تلك الرأس الفارغة لا تجعل منها إلا وعاء شهوة، لم يلتفت أي ممن مروا في حياتها إلى الإنسان الذي بداخلها، أو يوقظ تلك الروح التي خمدت منذ أن كانت طالبة في المدرسة. الخط الزمني للرواية أكثر ما استوقفني – كقارئ- فالبطلة ابنة أحد مدعي الزعامة لحزب يساري، ويظل يتنقل الكاتب محتفظًا بمتابعة هذا المسار الفكري الضحل، حتى انتهى به المطاف إلى أن تغير “عفاف” قناعتها وتؤمن بانضمامها للحزب الحاكم ولجنة وريث الحكم المتوقع، ولكن هل كان لدينا حزب يساري فاعل إلى هذه الدرجة، أم أن تلك الأحزاب ومن اقتنعوا بها لفترة، رفعوا الراية البيضاء منذ التسعينيات؟ يبقى أن رمزيات الرواية قليلة، تتناسب مع شخصياتها وقناعاتهم وسلوكياتهم المباشرة، فلم يحتاج الكاتب إلى الإغراق في الرمزية، ربما سوى في العنوان فاللبلاب المتسلق، تشبيه متسق مع نماذج الرواية على كثرتهم، ولكن كل منهم كان لبلابًا بطريقة أو بأخرى. همسة.. أحيانًا نتلهف على بريق أمل بين سطور خيال روائي، فالواقع فيه ما يكفي من سواد، والعتمة لم تعد مبهرة!
مشاركة :