(1) احترف التسول واعتبرها (مهنة) ولأنه أحب هذه المهنة فقد أبدع في ممارستها. هو يعرف أن المنطقة التي يمارس فيها مهنته هذه هي منطقة تجارية ومعظم الذين يخاطبهم ويلتقي بهم هم من رجال المال والأعمال. لذا فقد تدرب على فن وإتقان عملية التواصل والمخاطبة مع هذه الفئة من زبائنه وبأسلوب يتناسب مع مكانتهم ويعظم لديهم الـ(أنا). تراه يضحك مع هذا ويمزح مع ذاك ويشارك ثالثاً في طرفة وهكذا. كل ذلك يتم بأسلوب راق وبلغة بالغة التهذيب، حتى مديحه لهم لا يكاد يخرج عن حدود المنطق. ملابسه أنيقة ويختارها بعناية ورغم بعض الإعاقة في إحدى ساقيه الا أنه كان نشطاً في تنقلاته. كان هذا المتسول محبوباً ومتقبلاً من قبل الآخرين حتى أن بعضهم كان يسأل عنه في حال تغيبه. في أحد الأيام حدثت مفاجأة لم يتوقعها (سبنسر) وهذا هو اسم صاحبنا المتسول، فقد دعاه أحد المسؤولين في إحدى مؤسسات الاستثمار إلى مكتبه وعرض عليه وظيفة. لم تكن تلك الوظيفة عادية بل نائب المدير العام للشركة وهي وظيفة ذلك المسؤول. أي أن سبنسر سيحل مكان ذلك المسؤول الأمر الذي دعا صاحبنا المتسول إلى الضحك وإطلاق النكات، ولكنه تراجع عن ذلك عندما لاحظ أن الطرف الثاني لا يشاركه الضحك بل كان يبدو جاداً وينتظر الجواب. رد سبنسر قائلاً: أنا إنسان بسيط متواضع القدرات سيدي,، لم أنه حتى دراستي الإعدادية، أرجوك سيدي لا تعبث بمشاعري فأنا أعتز بمعرفتكم جميعاً وأقدر مساعداتكم لي، ولكن ... (2) تفاجأ سبنسر بمقاطعة المسؤول طالباً منه توقيع العقد وبدء العمل حالاً وهذا ما فعله صاحبنا بعد تردد. كانت الامتيازات مجزية ولكنه استغرب من مدة العقد فقد كانت محددة بثلاثة شهور وغير قابل للتجديد. بعد التوقيع جاءه المسؤول بالتعليمات الخاصة وهي أن لا ينطق بأية كلمة في أي اجتماع أو مناسبة إلا تلك التي يتم تلقينه إياها ولا يتردد في توقيع أي مذكرة أو رسالة أو تقرير يأتيه من أي مسؤول وأن لا يسأل أبداً وطلب منه التوقيع على هذه التعليمات ففعل. هذا كله لا يهم! هكذا كانت ردة فعل سبنسر وبدأ في ممارسة عمله بالشكل المرسوم له حتى كان ذلك اليوم الذي غير مجرى حياته. فقد جاءه أحد الاختصاصيين العاملين في الاستثمار في الشركة وبادره قائلاً: لقد وضعتك الظروف على وظيفة لم تكن تحلم بها، أليس كذلك؟ يجب أن تعرف أن هناك أسباباً خفية تتعلق ببعض الجوانب القانونية والإدارية ربما تتعلق بالضرائب أو أمور أخرى لا يمكنني إخبارك بها. هذه الأسباب هي التي منحتك هذه الفرصة لذا وضعت لك الإدارة قائمة التعليمات التي وقعت أنت عليها. لا تخف، فالشركة قامت بترتيب كل الأمور وستخرج منها بعد المدة المقررة دون أية مساءلات قانونية من أية جهة. سؤالي لك هو، هل ستعود إلى التسول بعد ذلك وبعد أن تنفد أموالك؟ لدي عرض لك.. تابع الاختصاصي هذا العرض يتطلب منك الكثير من التركيز والجهد والوقت ويتطلب منك أيضاً الصبر والمثابرة والعمل الجاد. هذا إذا كنت لا ترغب في العودة إلى حالة الفقر والتسول. سأقوم بتدريبك ولكن بعد فترة الدوام وخارج المكتب ودون علم الإدارة، سأعمل على تدريبك لإكسابك بعض المهارات الأساسية للعمل في مجال الاستثمار وتبدأ السلم من أولى عتباته بعد أن ينتهي عقد عملك الحالي والذي فعلاً غير قابل للتجديد، فأنت في مهمة خاصة ولأهداف محددة وينتهي مع تحقيق تلك الأهداف، ما رأيك في العرض؟ أما الرسوم فسنتحدث عنها لاحقاً... (3) يقول (بيل جيتس) ليس خطأك أن تولد فقيراً ولكن خطؤك أن تموت فقيراً انتهى. تذكرت هذه المقولة وأنا أشاهد الفيلم الذي عرضت لك عزيزي القارئ أهم أحداثه. السؤال هو، هل الحظ وحده هو ما أوصل سبنسر إلى هذا الوضع الذي كان حتى الأمس القريب يعتبر بالنسبة له ضرباً من الخيال؟ إذا كان كذلك، لماذا تم اختيار هذا المتسول بالذات دون أقرانه الذين يطوفون طرقات نفس المنطقة وبالعشرات؟ هل هو الحظ وحده أم أن تميز (سبنسر) بينهم وأسلوبه الراقي في التواصل هو الذي أبرزه وقربه من زبائنه واستطاع أن يحصل على جزء ولو بسيط من اهتمامهم بشخصيته غير العادية؟ ألم يستطع ذاك المتسول أن يمتلك بعض الاستعداد ولو كان بسيطاً لما قد يجود به بعضهم عليه من فرص ربما في التدريب أو التوظيف؟ والسؤال الأخير الذي من الممكن طرحه هنا لو كان سبنسر كأحد أقرانه من المتسولين (التقليديين) هل كان سيحظى بهذه الفرصة؟ ما رأيك عزيزي القارئ، هل ترى أحداث الفيلم خيالية وبعيدة عن تقبل العقل لها أم تراها قريبة من ظلال المنطق؟
مشاركة :