وما أنا ممن يدعي الشوق قلبه،، ويحتج في ترك الزيارة بالشغل!! القلب المشتاق لا يحول بينه وبين الزيارة شيء على الإطلاق!! ومن يفعل خلاف هذا ما هو إلا مدع كذاب! القلب المشتاق ليس بالضرورة أن يكون القلب العاشق لشخص ما، وإنما يكفي فيه أن يكون القلب العاشق فحسب، فقد يكون العشق للعبادة أو العمل أو الوطن أو جمع المال أو الشهرة والمجد أو غير ذلك من الأمور التي تتيم بعض القلوب بحبها، وتظل معلقة بها لا يثنيها شيء عن التوجه إليها والاقتران بها. الحرص على الاقتران بمن أو بما تحب، هو إثبات للحب وبرهنة عليه وتأكيد لحقيقة وجوده، لذلك تضحي الأعذار التي يطلقها من يدعي الحب وهو مقصر في الزيارة، أو المواظبة على فعل ما يدعي حبه، أو عازفا عن دوام الاقتران به، تضحي أعذاره رسالة فعلية تؤكد كذب ما يقوله لسانه. حين يتعلق القلب بحب شيء، أو إنسان، أو حيوان، يحب ملازمته ويجد في قربه حلاوة تجعله دائم الانجذاب إليه كقطعة مغناطيس، وقد يدفع الحب بصاحبه دفعا إلى الإقدام على فعل أمور تبدو لغيره شاقة وعسيرة أو خطرة، لكنها أمام القلب العاشق المشتاق لا تقوى على الوقوف في طريقه لصده ومنعه مما يريد. أنظر إلى أولئك الذين يتسلقون الجبال العالية، أو يقطعون المحيطات الشاسعة سباحة، وأنظر إلى أولئك الذين يغامرون بسلامتهم وصحتهم فيذهبون إلى بلاد موبوءة من أجل الإسهام في مساعدة المرضى، وانظر إلى عارضات الأزياء اللاتي يمتن أنفسهن جوعا من أجل الحصول على قوام رشيق يبرز جمال ما يعرضنه من أزياء، وأكبر من هذا كله انظر إلى أولئك الذين يرتدون أحزمة الموت على بطونهم وينطلقون للقائه بابتسامة كبيرة على وجوههم إرضاء للقلب المشتاق للقاء حوريات شغفنه حبا وتولعا. الأمثلة لا تنتهي على قدرة القلب العاشق أن يقدم على المغامرات ويخوض المشاق ويتعرض للموت في سبيل الاقتران بمن أو بما شغفه. حين أفكر في صدق المحبة وما يمكنها أن تحمله من قوة دافعة، يخيل إلي أن حل كثير من مشكلاتنا في هذه الدنيا معلق بيد تلك القوة، قوة الشوق التي يولدها الحب، حين يطغى شوق الناس إلى رضا الله سيبحثون عنه في تجنب ما نهاهم ربهم عنه من ظلم وعداوة وإساءات تشيع فيما بينهم، وحين يطغى شوق الناس إلى السلام، سيبحثون عنه في التسامح والتغاضي وفي طيات المفاوضات والمحاورات والبحث عن حلول مسالمة، سيقودهم الشوق إلى ذلك فيقبلون عليه منصرفين عن كل شيء غيره.
مشاركة :