مرت حياة الراوي سعيد بن زايد بن سعيد الشامسي العرياني بعدة أطوار وتقلبت بين أنواع متعددة من الحرف، بدأها وهو في سن الثانية عشرة بالعمل مع بعض أقاربه في تجارة الأسماك ليعيل والدته التي لم يكن لها معيل غيره، فاضطر مبكراً إلى الانخراط في معركة الحياة، وعندما يتحمل الأطفال مسؤولية الحياة قبل بلوغهم فإن ذلك يزيدهم بوعي مبكر، ويفتح أذهانهم على الانتباه لتجارب الحياة واختبار أعمال ومواقف لا ينتبه لها الأطفال العاديون. هذا ما حدث للشامسي الذي وجد نفسه يتصرف كالرجال فكان لزاما عليه أن يتعلم المهن المختلفة ويستوعبها ذهنه في سن مبكرة، مما جعل ذاكرته متوقدة، تختزن بسرعة كل ما يمر عليها، وقد أفاده ذلك لاحقا عندما تصدى لرواية الأخبار عن الحياة القديمة وما كان يمارسه الناس من مهن في تلك الفترة. قادت تجارة الأسماك سعيد الشامسي إلى البحرين والكويت حيث كان ينتقل مع أحد أقاربه لبيع السمك هناك، وكانت أسواق السمك مزدهرة في مدن الساحل الخليجية، فكان التجار يشترون السمك من الصيادين ثم ينقلونه إلى تلك الأسواق لبيعه، وأعطته تلك التجربة معرفة واسعة بحياة الناس في المدن آنذاك، حيث يصفها بالصفاء، فقد كان الناس بسطاء صافية قلوبهم يندر فيهم الكذب والخداع، وكانت التجارة تعتمد على الثقة بين البائع والمشتري، ولم يكن الناس قد أصابهم هذا الهلع والخوف الذي أصاب حياة الكثيرين اليوم، وقلت بسببه الثقة بينهم. ويصف الشامسي تجارة الأسماك في ذلك العهد بأنها مربحة لكنها شاقة وتحتاج إلى صبر وتنقل كثير، لكنها كما يقول أسهل وأقل خطورة من تجارة اللؤلؤ، وكان السمك في الماضي قريبا من الشاطئ ، ولا يسافر صيادوه بعيداً، ولا يطيلون مكثهم في البحر كما يفعل صيادو اللؤلؤ، ويعتبر الشامسي أسماك الشواطئ الإماراتية من أجود أنواع الأسماك وألذها، ومن أشهر أنواع الأسماك التي كانت رائجة في الأسواق الهامور ويسمى أيضاً الوقار وهو من الأسماك الكبيرة الحجم، ويسهل اصطياده، وله نكهة لذيذة، وكان الإقبال عليه قديما كبيرا لأنه كثير اللحم طري، ومنها سمك الصافي وسمي بذلك لأنه لا قشرة له، وهو أيضا لذيذ، ومنها سمك البدح وهو متوسط الحجم دسم يحبه السكان كثيراً، ومن أنواع الأسماك الشعري والكنعد والنقرور والسلطان إبراهيم وغيرها، وتعتبر الأشهر من إبريل/نيسان إلى أغسطس/آب هي أكثر مواسم الصيد وفرة، حيث تتكاثر فيها جميع أنواع الأسماك، ويحصل الصيادون في هذه الفترة على كميات هائلة ومتنوعة منها. بعد أن قضى الشامسي فترة طويلة في تجارة الأسماك حصل على عمل في وزارة الإعلام في أبوظبي ثم تنقل للعمل بين عدة دوائر حكومية في عجمان والشارقة، ليستقر بعد التقاعد في الشارقة مدينته التي ولد وتربى فيها. ونظراً لكثرة معلوماته عن الحياة القديمة ومحفوظاته من الشعر والحكايات الشعبية اهتم الشامسي بتقديم معارفه للأجيال الجديدة، وأصبح أحد الرواة المعروفين الذين يقدمون أخباراً جليلة وتفاصيل مهمة عن نمط الحياة التقليدية التي كان يحياها المجتمع الإماراتي، وكرمته إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، في يوم الراوي في دورته العاشرة، ووثق باحثوها الكثير من مروياته، وأورد كتاب يوم الراوي مسيرة عشر سنوات تعريفاً مختصراً له، جاء فيه أنه يحفظ الكثير من الشعر والأمثال والحكم وسير الأولين، وأيضاً يحفظ كماً هائلاً من الحكايات الشعبية وقصص حول الجن والسحرة.
مشاركة :