الأسماك.. ذاكرة قوية ومهارات حسابية

  • 6/30/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: عبير حسين لعقود طويلة اعتدنا على وصف أصحاب الذاكرة الضعيفة دائمي النسيان بأن لهم «ذاكرة الأسماك»، اعتماداً على معتقدات قديمة شائعة ومتوارثة رسخت في الأذهان أن ذاكرة الأسماك لا تتعدى 3 ثوان، وكرست لذلك المشاهد السينمائية التي اعتبرت الأسماك كائنات كثيرة النسيان لا تفعل شيئاً سوى السباحة في المياه هائمة على وجهها، حتى تلتهمها الأسماك المفترسة الأكبر حجماً، مثل فيلم «البحث عن نيمو» أشهر الأفلام التي تناولت معتقد ضعف الذاكرة السمكية، وفيه تقول «دوري»، سمكة التانج الزرقاء الكبيرة دائمة النسيان، إنها تعاني فقدان الذاكرة قصيرة المدى، وتنسى كل شيء على الفور. المثير أن عدة دراسات علمية حديثة متخصصة في دراسة أنواع مختلفة من الأسماك تشير نتائجها إلى أن معتقداتنا عن الذاكرة السمكية القصيرة جميعها خاطئة، مؤكدة أن الأسماك لديها ذاكرة تمتد أحياناً إلى 3 أشهر، وأنها قادرة على العد، واجتياز المتاهات، وتتمتع بعدة مهارات ما زالت قيد البحث العلمي، لكن مؤشراتها الأولية تدل على أن الأسماك تتمتع بدرجة ذكاء تقترب في بعض المهارات من ذكاء القردة.استعرض موقع bbc earth، أحدث دراسات علوم الأحياء البحرية التي تدحض المعتقدات الشائعة عن ذاكرة الأسماك الضعيفة، مشيراً في البداية إلى أن إصدار أحكام عامة على الأسماك التي تزيد أنواعها على 250 ألف نوع أمر يخالف الدقة العلمية ويجافي الموضوعية.البروفيسور كالام براون، الأستاذ المشارك بجامعة ماكويري بأستراليا، ونائب رئيس تحرير دورية «علم الأحياء السمكية»، يرى أن كثيرين يسيئون تقدير ذكاء السمك لأنهم يعتقدون أن الأسماك كائنات بدائية لم تتطور، بينما في الحقيقة، أغلب الأسماك التي تعيش على كوكب الأرض الآن تطورت في نفس الوقت تقريباً الذي تطور فيه البشر».ويشير براون إلى أن دراسة سابقة أجرتها جامعة بليموث البريطانية في 1994 على السمكة الذهبية التي تعيش في الماء العذب توصلت إلى أنها صاحبة ذاكرة تستمر 3 أشهر، وفيها درّب الباحثون السمكة الذهبية على دفع رافعة صغيرة تعمل لمدة ساعة واحدة فقط في مقابل مكافأة. وتعلّم السمك الاستفادة من هذه الفرصة ليبرهن على قدرته على مراقبة الوقت والتعلم والتذكر. وهي نفس النتيجة البديهية التي يلاحظها كل مربي أسماك ذهبية، إذ تواصل صعودها إلى السطح طلباً للطعام.وفقاً لدراسة نشرت في فبراير الماضي، تستطيع أسماك «الجابي» الخروج من متاهة مكونة من 6 تقاطعات متتالية. وفوق ذلك، بعد 5 أيام من التدريب، تمكنت الأسماك من تحسين سرعتها في الخروج من المتاهة والتقليل من أخطائها. يقول تيرون لوكون كسيكاتو، من جامعة بادوفا بإيطاليا: «أداء الأسماك كان مدهشاً، ويقترب من مستوى الفئران. ومن المتوقع أن تنجح القوارض في مهام مشابهة، على عكس الأسماك التي تعيش في المعتاد في بيئات مختلفة تماماً، وعليه لم يكن متوقعاً أن تتعلم الأسماك الخروج من المتاهة بهذه السرعة». وفي دراسة أخرى أجريت عام 2013، توصل باحثون إلى أن أسماك الجابي المولودة حديثاً، يمكنها اختيار المجموعة التي تحتوي على عدد أكبر من الأسماك من بين مجموعتين ، ويؤكد ذلك أن المهارات العددية، أو البعض منها على الأقل، تظهر منذ الولادة.وتمثل قدرة الأسماك على تقييم الأعداد أهمية لبقائها، إذ أنها تتفادى الضواري في المعتاد بالانضمام إلى أسراب ضخمة. أما أغرب المهارات التي اكتشفها العلماء عن الأسماك فكانت مهاراتها على استخدام أدوات مختلفة لمساعدتها على مهاجمة فريستها، أو حفظ بيضها، وهي عادة مهارة تنسب للبشر دون غيرهم. وفي ورقة علمية نشرها براون 2012 يشير إلى أسماك «اللبروس» ذات الألوان الزاهية التي تهاجم بأعداد كبيرة «قنفذ البحر» لتكسيره بالاستعانة بالصخور حتى تحصل على ما بداخله من لحم. ولعل أغرب طريقة تظهر مهارة الأسماك في الاستعانة بالأدوات هي طريقة السمك «رامي السهام» أو «القناص» في استخدام الماء كأداة أو سلاح، فكما يقذف البشر الكرة، تقذف السمكة دفقة من الماء من فمها، مثل مسدس الماء، لتصيب الحشرات فوق سطح الماء، على الرغم من انكسار الضوء. وبعد أن يطلق هذا النوع من الأسماك دفقة المياه مصيباً هدفه، يحدد المكان الذي سيسقط فيه ليلتقطه بأقصى سرعة ممكنة قبل خصومه، وكل هذا في وقت لا يتجاوز 40 جزءاً من الثانية. يقول ستيفان شوستر من جامعة بيروث الألمانية : «أهم ما يميز هذه القرارات أنها تربط بين السرعة واتخاذ خطوات معقدة»، ويضيف: «يؤدي سمك (رامي السهام) عمليات حسابية لتحديد مسار الماء المقذوف لبلوغ الهدف، وهذا يعد ضرباً من العمليات الرياضية في صورتها الفطرية تضاهي قدرة لاعب الكرة الجيد على تمرير الكرة بسرعة وبدقة وتوقع المكان الذي سيتلقى فيه زميله الآخر الكرة، من دون الاجتهاد في تقدير المسارات المنحنية للأجسام المتحركة».أما أغرب الدراسات الحديثة التي حاولت اكتشاف قدرات خاصة في الأسماك، فكانت تلك التي أجرتها الباحثة كيت نيوبورت العام الماضي في جامعة أوكسفورد، وتحاول الإجابة عن تساؤل مثير: هل يمكن للأسماك من نوع (رامي السهام) تمييز أوجه البشر؟ وكانت النتيجة مذهلة إذ اكتشف الباحثون أن الأسماك يمكنها التعرف إلى وجه مألوف من بين 44 وجهاً. ودرب الباحثون الأسماك على تمييز الوجه المألوف بإطلاق دفقة من الماء، واكتشفوا أن باستطاعتها التمييز بدقة بمعدل 89% من المرات. خلايا المكانتوصلت دراسة أجريت العام الماضي على أسماك «الكهف العمياء»، إلى أن الأسماك، لديها قدرة هائلة على إدراك الحيز أو المكان، إذ تستقبل المعلومات الحسية مثل ضغط الماء الساكن (الهيدروستاتي) لتتعرف إلى موقعها في حيز ثلاثي الأبعاد. وتقول تيريزا بيرت دي بيريرا، من جامعة أوكسفورد، إن الأسماك يمكنها أن تتعرف إلى الحيز ثلاثي الأبعاد، في الوقت الذي يواجه فيه كثير من الحيوانات التي تعيش على الأرض بعض المشكلات في البعد الرأسي. ويعلق البروفيسور براون من جامعة ماكويري الأسترالية، قائلاً: «الأسماك تمتاز عن البشر بقدرتها على تقدير العمق. وثمة دليل غير مؤكد على أن الأسماك لديها ما يشبه خلايا المكان التي اكتشفت لدى الفئران في منطقة الحصين بأدمغتها، وهي عبارة عن خلايا عصبية تنشط حين يشغل الحيوان مكاناً محدداً في بيئته.

مشاركة :