يعيش العالم ثورة إعلامية لم يسبق أن شهدها من قبل بفضل التقنيات الهائلة والمتطورة التى أحالت العالم إلى قرية صغيرة تتشابك فيها المصالح والقوي، وأصبح الإعلام قوة مؤثرة صار لها ارتباط مباشر بجوانب كثيرة من حياة الإنسان، وصار من الواضح أن للإعلام تأثيرًا بالغًا على حياة المجتمعات من حيث دوره في تحديث المجتمع والمحافظة على قيمه وتقاليده، كما تمتلك وسائل الإعلام القدرة الهائلة على تشكيل الرأى العام تستغلها الدول والحكومات في مواجهة تحديات الداخل والخارج، وبغض النظر عن درجة الاستقلال والنزاهة المتاحة لوسائل الإعلام؛ فإنها تستخدم على نطاق واسع في معالجة المسائل المرتبطة بالأمن القومي.وتُعد صحافة المحمول واحدةً من تلك الوسائل، والتى تعتمد على البساطة في نقل الأخبار وتلقيها، فقط جهاز هاتف ذكى وبعض اللوازم القليلة المكملة، ومعرفة جيدة باستخدام أجهزة الاتصال الحديثة، وتعتمد على الصحفى المحترف الذى يمتهن الصحافة ويمارسها في إطار قانونى محدد، وهى صحافة تقدم للمتلقى أكبر قدر من الإنتاج الإعلامى المتنوع، وتختصر الزمن وتغطى المساحات الشاسعة وتصل إلى عموم الناس، فهى صحافة الحاضر والمستقبل في المنظور القريب.وتعد مشاعر الانتماء للوطن بين أبناء أى وطن من الأوطان من الموضوعات المهمة والحيوية في حاضره ومستقبله، وهى عاملٌ فاعلٌ ومؤثر وحافزٌ قوى للعمل بجد وإخلاص لصالح الوطن وتفانٍ في خدمته متى تطلب الأمر ذلك، ويصل الأمر في ظل وجود تلك المشاعر لدى الفرد إلى التضحية بالغالى والنفيس في سبيله، وبالتالى فإن وجود هذه المشاعر لدى أبناء الوطن يُعد عاملًا مساعدًا على أقل تقدير في بقاء الوطن موحدًا وقويًا وقادرًا على مواجهة العقبات أو المشكلات التى تواجهه في الداخل، وكذلك المواجهة له من الخارج والتغلب عليها، أو الحد منها على الأقل، في حين أن غياب تلك المشاعر لدى أبناء الوطن يحد على الأقل من العمل لصالح وطنهم، وقد يصل بهم الأمر إلى العمل ضده رغبة منهم في الانتقام أو خدمة لمصالحهم الشخصية والخاصة أو تنفيذًا لأجندة داخلية أو خارجية.ويرتبط الانتماء بوجود المجموع الذى يشترك أفراده في المعايير والقيم والمعتقدات والدوافع والعادات التى تميز سلوك أفرادها، فمن الأمور الطبيعية أن يشعر الابن بالانتماء لأسرته، والطالب بالانتماء لمدرسته والرياضى لناديه، والجندى لجيشه، كما أن هؤلاء الأفراد يجمعهم مصيرٌ مشترك وأهداف ومصالح واحدة يتحركون في اتجاه تحقيقها، وفى ذلك يتحدد للأفراد أدوارٌ اجتماعية ومكانة معينة، ويقوم بينهم تفاعلٌ اجتماعي من خلال الاتصال والعلاقات الصريحة التى قد تكون بيئية أو سياسية أو اقتصادية أو عرقية، والانتماء للمجتمع بهذا المفهوم يعنى الاعتزاز به والالتزام بمعاييره والحفاظ على هويته وتأصيلها، والدفاع عن ممتلكاته وثوابته، والمشاركة الجادة في نهضته وتقدمه.والفرد الذى ينفصل عن مجتمعه ولا يهتم باستقراره وأمنه تضطرب حياته وينحرف سلوكه، فالانتماء من الحاجات النفسية الأساسية للإنسان، وهو أحدُ دعائم بناء الفرد والمجتمع والأمة، وبدونه لا يمكن للفرد أن يدافع عن وطنه ومجتمعه ويحميه أو يسهم بإخلاص في بنائه، وقد حرصت المجتمعات المتقدمة على تعميق الشعور به لدى أفرادها، وذلك لأنه يمثل حجر الزاوية في حياة تلك المجتمعات واستقرارها وتماسكها، بل ومن الدوافع الرئيسة لتقدمها.إن المتأمل في حال الدول العربية في الوقت الحالى وعلى مدى عدة عقود مضت يمكنه استنتاج أن معظم مشكلات الدول مردها نقص الانتماء للوطن والذى تتجلى مظاهره في قلة إتقان العمل، قلة المحافظة على المال العام، التضحية بمكتسبات الوطن، محاولات الانتحار، السلوك التخريبي، ظهور الجماعات المتطرفة، ظهور العمليات الإرهابية، الاتجار بصحة الأفراد، تقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، السعى للهجرة وغيرها من السلوكيات، وتتضاعف هذه المشكلة في مصر بين أبناء المناطق الحدودية نظرًا للتهميش الذى لاقوه لفتراتٍ طويلة، مما قد يُضعف عند بعضهم الانتماء وحب الوطن.في هذا الإطار جاء البحث المهم الذى أجراه د. فرج خيرى عبدالجيد درويش أستاذ الصحافة المطبوعة والإلكترونية المساعد بكلية الإعلام جامعة سيناء، إيمانًا بأهمية وسائل الإعلام في نشر الوعى بقضايا المجتمع وبث روح الوطنية وتعميق قيم الانتماء لدى أفراد المجتمع، وتأهيلًا للأفراد للتصدى للأفكار الهدامة، وحاول البحث الحالى التعرف على دور صحافة المحمول في نشر إنجازات الحكومة المصرية وعلاقة ذلك بتعزيز الانتماء للوطن لدى أبناء المناطق الحدودية.وعلى الرغم من أهمية موضوع الانتماء كمكون نفسى اجتماعي يعكس رؤية الفرد لذاته ولوطنه وسلوكه نحوه، وباعتباره قضية شغلت اهتمام الأكاديميين في مختلف المجتمعات مع اختلاف نظمها وتوجهاتها السياسية إلا أن دراسة الانتماء لدى أبناء المناطق الحدودية لم يلق الاهتمام الكافى خاصة بعد التغيرات السياسية التى شهدتها مصر.وتفيد نتائج البحث الحالى القيادات الوطنية بالتعرف على مستويات الانتماء لدى أبناء المناطق الحدودية لتقديم تفسيرات عن أسباب الانحرافات الفكرية والسلوكيات الهدامة ومعالجتها بما يقدم لهم من إعلام.وتمثل الهدف الرئيس لهذا البحث في التعرف على العلاقة بين الاعتماد على صحافة المحمول ودرجة الانتماء الوطنى لأبناء المناطق الحدودية.وتمثل مجتمع البحث الحالى في أبناء المناطق الحدودية (محافظات شمال سيناء وجنوب سيناء وأسوان)، وقد اختار الباحث هذه المحافظات لإمكانية إجراء البحث على عينة من أبنائها، بالإضافة إلى أن محافظة شمال سيناء تمثل البوابة الشمالية الشرقية لمصر، مما يستلزم دراسة الانتماء لدى أبنائها والعوامل المؤدية له. وتم اختيار عينة عمدية قوامها 320 مبحوثًا ممن يستخدمون المحمول لمتابعة الأخبار من المحافظات الثلاث.ووظفت الدراسة مقاييسَ مهمة أهمها مقياس الانتماء للوطن الذى صممه الباحث بالاستعانة ببعض المتخصصين في مجال علم النفس، علاوة على أداة الاستبيان للتعرف على مدى تعرض العينة لصحافة المحمول، وثقتهم فيها والسمات العامة لهم.ونستعرض نتائج هذه الدراسة المهمة الأسبوع المقبل بإذن الله.
مشاركة :