أظهرت موسكو، أمس، حزماً في التعامل مع التهديدات التركية المتواصلة بإطلاق عملية عسكرية واسعة لإجبار القوات النظامية على التراجع عن مواقع شغلتها أخيراً في محافظة إدلب. ومع تريث المستوى السياسي الروسي في إصدار تعليق، على محاولات فصائل سورية مدعومة بقوات المدفعية التركية التقدم في مدينة النيرب، بدا تحرك القوات الروسية حاسماً لوقف الهجوم بعد مرور ساعات على بدئه. إذ أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تدخل طيرانها الحربي لقصف أرتال المدرعات والدبابات والآليات المحملة بأسلحة ثقيلة التي توغلت في مناطق واسعة من النيرب. وأفاد بيان عسكري بأن موسكو أجرت اتصالات مع أنقرة لوقف القصف المدفعي الذي رافق تقدم الفصائل السورية.ووفقاً للبيان العسكري، فإن مقاتلات روسية من طراز «سوخوي 24» شنت هجوماً على الأرتال المتقدمة، دمرت خلاله دبابة و6 مدرعات و5 عربات رباعية الدفع تابعة للمسلحين، الذين قال البيان إنهم «اقتحموا مواقع للجيش السوري في محافظة إدلب». ولفت البيان الذي أصدره مركز المصالحة التابع لقاعدة حميميم، إلى أن الغارات الروسية مكّنت الجيش السوري من صد هجمات للمسلحين في المنطقة بنجاح، مشيرة إلى أن القوات الجوية الروسية دمرت آليات مزودة بأعيرة ثقيلة.ولفتت لهجة البيان الأنظار في أشارته إلى أن الهجوم نفذته «عصابات إرهابية» استخدمت أعداداً كبيرة من المدرعات والآليات باتجاه محور قميناز - النيرب. وقال، إن تقدم المسلحين كان مدعوماً بنيران مدفعية القوات المسلحة التركية؛ ما سمح باختراق دفاعات الجيش السوري.ومع تأكيد وقف الهجوم، قالت وزارة الدفاع الروسية، إنه «تم إبلاغ الجانب التركي بأن وسائل السيطرة الروسية رصدت نيران مدفعية من المواقع التركية على وحدات الجيش السوري، وبعد إبلاغ الجانب التركي بهذه المعلومات، توقف إطلاق نيران المدفعية». وحملت الوزارة بقوة على أنقرة، مشيرة إلى أنها «ليست المرة الأولى التي تدعم فيها القوات المسلحة التركية المسلحين السوريين»، داعية «الجانب التركي إلى وقف دعم عمليات الإرهابيين ونقل أسلحة لهم».وكانت معطيات أشارت إلى تمكن قوات تابعة للمعارضة السورية، بدعم من القوات التركية بالسيطرة على بلدة النيرب بالقرب من طريق «إم 4» الاستراتيجية جنوب شرقي مدينة إدلب، بعد إبعاد قوات النظام السوري عن المنطقة. واللافت، أن موسكو قالت، إن تدخل طيرانها لوقف الهجوم تم «بطلب من القيادة السورية». وتجنبت الإشارة إلى حجم الخسائر في صفوف المهاجمين، لكنها أشارت إلى وقوع عدد من الجرحى من الجيش النظامي خلال هجوم المسلحين.وبدا أن موسكو التي كانت حثت القيادة التركية على «التوقف عن إطلاق تهديدات تصعيدية» والعودة للحوار على مستوى الخبراء» الدبلوماسيين والعسكريين، وفقاً لتصريح الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا، سعت من خلال تدخلها المباشر والقوي لمنع أنقرة من فرض أمر واقع جديد عبر العملية العسكرية. وكان وزير الخارجية سيرغي لافروف نبّه قبل يومين، إلى أنه «لا عودة إلى الوضع الذي كان في إدلب قبل 18 شهراً»، في إشارة إلى معارضة موسكو الحازمة للمطالب التركية بانسحاب النظام من المناطق التي سيطر عليها في الشهور الأخيرة. ورغم أن التدخل كان حازماً، لكن الملاحظ وفقاً لمحللين روس، أن الجانبين التركي والروسي تجنبا وقوع احتكاكات مباشرة بينهما، وحرصت موسكو على توجيه ضرباتها إلى الأرتال التي تضم مقاتلين سوريين، وعدم استهداف مدرعات تنقل أعداداً من قوات النخبة التركية. في المقابل، لفت محللون إلى أن أنقرة لم تعلن رسمياً عن شن عملية عسكرية، وأن الهجوم رغم أنه كان مدعوماً بنيران المدفعية التركية عن بعد، لكنه اقتصر على قوات تابعة للمعارضة السورية.وأشار خبراء عسكريون روس، إلى أن هذا الحذر من الجانبين، والحرص على تجنب الاحتكاك مباشرة، أظهر وفقاً لمحلل عسكري، أن «العملية محدودة وربما كانت تهدف إلى تحسين أوراق إردوغان التفاوضية، كما أنها موجهة للداخل التركي؛ لأن الرئيس التركي رفع سقف تهديداته كثيراً خلال الفترة الماضية». ونقلت صحيفة «إزفستيا» الروسية عن النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الدوما للدفاع، أندريه كراسوف، أن «لا أحد يريد فرض حل بالقوة العسكرية في إدلب»، ووفقاً له، «الإرهابيون وحدهم يستفيدون من الحل العسكري للأزمة، باستغلالهم الفوضى». ونقلت الصحيفة عن مصادر تركية، أن «الأجواء في البلاد متوترة بسبب مقتل عسكريين أتراك في إدلب. والجيش السوري يعمّق هجومه داخل المحافظة. لكن تركيا تريد تسوية هذا الموضوع بعد مباحثات مع الجانب الروسي لاستبعاد الصدام المباشر بين قوات البلدين».ووفقاً لرئيس مركز دراسة تركيا الجديدة، يوري مافاشيف، فإن «التوجه المقبول لتسوية التوتر المتصاعد حول إدلب بسبب تقدم القوات النظامية، هو السماح لأنقرة بفك الحصار عن نقاط المراقبة أو البقاء في المواقع التي تشغلها اليوم. وهي، سوف تستمر في تعزيز وجودها، لكنها لن تقوم بخطوات خطيرة». وزاد، أنه لا يستبعد أن «تلعب روسيا دور العازل بين تركيا والجيش السوري. فيغادر السوريون نقاط المراقبة، ويشغل الجيش الروسي المواقع المتنازع عليها. وحينها، سيتمكن إردوغان من أن يستعرض لجمهوره أنه أجبر بشار الأسد على الابتعاد عن الحدود».وتعزز هذه التحليلات إشارة أوساط روسية إلى أن العملية العسكرية في النيرب هدفت إلى فتح الباب لمواصلة الحوار من أجل إيجاد آلية متفق عليها للتعامل مع الوضع المستجد على الأرض في محافظة إدلب، عبر التوفيق بين رفض تركيا الانسحاب من مراكز المراقبة وتغيير خطوط التماس المنصوص عليها في اتفاق سوتشي، ودفع روسيا إلى قبول اقتراح تركي بديل بتسيير دوريات روسية - تركية مشتركة في بعض المناطق التي سيطر عليها النظام أخيراً بديلاً عن الوجود المباشر للجيش السوري.في الأثناء، كان الكرملين أعلن عن ترتيبات لعقد قمة ثلاثية في بداية الشهر المقبل تجمع الضامنين في «محور آستانة» (روسيا، وتركيا، وإيران) في طهران بداية الشهر المقبل، لكن موسكو قالت، إن الاتفاق على موعد نهائي مرتبط بموافقة إردوغان على المشاركة في القمة. وجاء هذا الخيار بديلاً للطلب التركي بعقد قمة ثنائية للرئيسين الروسي والتركي، وهو اقتراح تعاملت معه موسكو بفتور.
مشاركة :