أهل البيت هم المجد الشامخ؛ والعنوان المضئ؛والإسم المحبب لكل المحبب لكل نفس أحبت الرسول الكريم وسارت على دربه وهداه.وستظل ديار هؤلاء القوم قبلة كل باحث عن الحقيقة؛ ووجهة كل سائر نحو الحق والفضيلة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.ولقد عرف الناس جميعا هذا الفضل الكبير من الأفق المتألق في سماء الاسلام العظيم منذ أن الوحي بهذه التسمية المباركة:(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).مرَّ العالم الإسلامي بعد انتقال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بمراحل كثيرة وخطيرةفكان الأئمة من آل البيت يواجهون كل مرحلة بما يناسبها من المواقف والأفعال حتى يصححوا كل ما قد انحرف فكانوا خير معين للخلفاء الراشدين المهديين حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(لولا علي لهلك عمر).وربما كانت أخطر مرحلة تلك التي أعقبت كربلاء وما جرى فيها , حيث استبيح الدم الطاهر لسبط النبي الكريم مولانا الإمام الحسين بن علي عليهما السلام ومن قبلها سم شقيقه الإمام الحسن في خيانة كبيرة لم يشهد التاريخ مثلها! فانتهكت بمقتلهما حرم الاسلام و ضاعت قيم الدين الحنيف من أنفس الناس وتولاهم كل منحرف شاذ يحملهم على ترك مخافة الله وارتكاب الموبقات!وهذه المرحلة الخطيرة من حياة الأمة عاش فيها الامام السجاد علي زين العابدين عليه السلام أربع وثلاثون عامًا من سني حياته الشريفة وهو يصحح ما قد انحرف أو زال! ذلك الاسلام الذي أراده الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله من نفوس الناس .فقد عمل يزيد وحزبه على صنع نموذج من الاسلام يستطيعون به أن ينعموا بنعم الدنيا ويستعبدوا المسلمين!شهدت الفترة التي عاشها علي بن الحسين كثيرا من الأحداث التي وقعت في التاريخ الإسلامي، ومنها معركة كربلاء(واقعة الطف)حيث كان حاضرا فيها والتي قتل خلالها أبوه الحسين بن علي ورجال أهل بيته عليهم السلام . ولكن بسبب مرضه لم يتمكن من المشاركة في القتال.. وكأن العناية الربانية ادخرت عليا كي يمتد منه النسب النبوي الشريف إلى قيام الساعة فلا ينقطع!ما اقترفه جيش يزيد في كربلاء مما يندى له جبين الإنسانية معروف مشهور، فرمي الطفل الرضيع بسهم وهو في حضن أبيه الإمام الحسين (علیه السلام) معروفومعاملتهم للأسرى ولبنات الرسول وذريته عليهم السلام كل ذلك مشهور!فقد سيق آل البيت بعد موقعة كربلاء مغللين بالقيود والسلاسل إلى قصر يزيد كما يساق الأسرى! ولعمري إنها لفاجعة كبيرة يندى لها جبين الإنسانية في كل زمان ومكان... تستنهض أرواح الباحثين عن الحقيقة فتؤرق منامهم فيفارقون مضاجعهم تحيطهم الهموم وتضرب في جنبات خدورهم شجون الذكريات! _في قصر يزيد كان المواجهة من عقيلة الهاشميين السيدة زينب سلام الله عليها؛(فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها ( أي لا تغسله )، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد!! يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين ! فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يُكملَ لهم الثواب، ويُوجِبَ لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحيمٌ ودود، وحسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل).فلم تنته المواجهة عند كربلاء وحسب بل امتدت إلى أرجاء المعمورة تحملها عقيلة الهاشميين زينب بنت أمير المؤمنين كتفا إلى كتف الإمام علي زين العابدين فتوالت الثورات تزلزل عروش الظالمين فرمت بهم في مزبلة التاريخ...(فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) كانت صرخاتهم ثورة في جبين الطغاة إلى الأبد تكمل ثورة السبط الشهيد عليه السلام.قدر للإمام علي زين العابدين أن يتسلّم مسؤولياته القيادية والروحية بعد استشهاد أبيه عليه السلام.فمارسها خلال النصف الثاني من القرن الأول الهجري في مرحلة من أدق المراحل التي مرّت بها الأمة وقتئذ، وهي المرحلة التي اعقبت مرحلة الفتوح الاولى. فقد امتدّت هذه المرحلة بزخمها الروحي وحماسها العسكري والعقائدي، فزلزت عروش الأكاسرة والقياصرة، وضمت شعوبا مختلفة وبلادا واسعة الى الدعوة الجديدة، واصبح المسلمون قادة الجزء الاعظم من العالم المتمدن وقتئذ خلال نصف قرن.فحين أزور مقام جد الأشراف علينا زين العابدين سلام الله عليه في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي فإنما أزور تاريخا كبيرا حافلا بالنور والعطاء ورحلة من العناء والابتلاء وحصنا حصينا من حصون الإسلام وقلعة من قلاعه الكبيرة بل ونافذة تطل منها روحي على عالم آخر لو علمه الملوك لجالدونا عليه بالسيوف!وصل اللهم صلاة كاملة وسلم سلامًا تامًا على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد، وتنفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج، وتنال به الرغائب، وحسن الختام، ويُستسقى الغمام بوجهه الكريم، وعلى آله وصحبه في كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم لك.
مشاركة :