خالد الشناوي يكتب: سلام على الحسين

  • 8/2/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أهل البيت هم المجد الشامخ؛ والعنوان المضئ؛ والاسم المحبب لكل نفس أحبت الرسول الكريم وسارت على دربه وهداه.وستظل ديار هؤلاء القوم:قبلة كل باحث عن الحقيقة؛ووجهة كل سائر نحو الحق والفضيلة؛إلى أن يرث الله  الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.•فإذا ما قيل(بيت)كأنه لا يوجد بيت على ظهر البسيطة غير بيت آل محمد عليهم وعلى جدهم  الصلاة والسلام.هذا البيت الذي تفجرت أنوار الوحي من بين جنباته؛فعلم الناس قاصيهم ودانيهم؛لم تعقم أرحامه إلى جانب ذلك بتقديم الشهداء قربانا لهذا الدين العظيم؛ثباتا على كلمة الحق؛ وارتكازا للمبادئ التي لا تقبل التجزئة أو حتى المزايدة.•ولئن نسيت فلن أنسى ما حييت فاجعة الطف(كربلاء)حيث استشهاد الامام الحسين بن علي  وآل بيته الطاهرين سلام الله عليهم؛غرباء طرداء؛ في صحراء مقحلة؛جدباء؛لا ثمار فيها ولا ماء.رغم مرور نهر الفرات بجوارهم؛ إلا أن الأعداء رفضوا منحهم ولو بعضا من الماء يروي ظمأهم وحلوقهم المتصدعة من العطش قبل الرحيل!•تبارت أقلام المؤرخين والكتاب عبر العصور؛ تجسد هذه المأساة الإنسانية؛ تجسيدا عايش الأحداث رغم بشاعتها؛لتظل اطروحة دامية؛ تأسر من القلوب أنينها؛وتخطف من الأرواح ولائها للعترة المباركة؛ولاء لا يؤدي إلى تنقيص من غيرهم من صحابة المصطفى عليه أفضل الصلاه والسلام.ولقد عرف الصحابة الكرام؛هذه المكانة لأهل البيت عليهم السلام فكانوا على درب الوفاء بعد انتقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى؛فهذا سيدهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول:(ارقبوا محمدا في آل بيته) ويقرر في موضع آخر:(لصلة قرابة رسول الله أحب إلى من صلة قرابتي).• طالعت فجيعة مقتل(الطالبيين) هذا الحدث الجلل منذ حداثة عهدي بعالم الفكر؛وكان ذلك بمحض الصدفة لا عن بحث وتكلف؛فعايشت المشاهد كلها؛وكأنها شريط من الذكريات يمر على مخيلتي؛ووجدتني أهتف مكبرا عقب كل ضربة بسيف أو رمية بسهم من الحسين وأصحابه..وفي ذات الوقت:أصرخ صرخات مكتومة؛عبر كل ضربة توجه إلى نحر الإمام وجسده الذي خارت قواه في مصيبة دامية لم تشهد الإنسانية مثلها قبل ذلك!وكيف أن البطل سقط عن جواده ليرتفع في سجل الخالدين بعد أن صار مضربا للأمثال يشار إليه بالبنان.وطأت الخيل بحوافرها جسمان ابن بنت رسول الله على رمال تحولت صفرتها إلى حمرة من الدماء السائلة؛وما كان اعتلاء الخيول  للجسد الشريف؛غير إشارة أن هذا الجسد سيظل حاملا لفرسان الأمة إلى قيام الساعة.•حين أكتب عن كربلاء فلا أقصد تجديدا لأحزانها؛أو فتحا للجدل العقيم حولها؛ أو فتحا للتصارع المذهبي؛وخلقا للنعرات الطائفية.بل احقاقا للحق؛وإبرازا لجوانب أمتنا الإسلامية المضيئة؛وتجلية لمواقف البطولة على أرض الواقع كي تكون ملهما للمنصفين في دنيا الناس.لا سيما و أن هذه الأحداث المتلاحقة ألصقت بجدار تاريخنا بشقيه الحديث والمعاصر؛ فلا يمكن فصلها أو محاولة التعتيم عليها تحت أي زعم أو مسمى.•لم يخرج الحسين إلى الكوفة إشرا ولا بطرا؛كما أعلن هو عن ذلك في خطبته العصماء قبيل المعركة..بل خرج طلبا للإصلاح في أمة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم،آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر؛فارا بدينه وبآل بيته من التتبع والملاحقة. لم يك لمثل الحسين أن يبايع مثل يزيد اختيارا؛أو أن يرغم على ذلك عنوة!•أكبرت في الحسين حسن يقينه فيما هو مقبل عليه؛حين استوقفه عبدالله بن عباس على مشارف المدينة؛مخوفا إياه من خذلان أهل الكوفة؛ومن الموت المحقق إن واصل سيره .فتدور عيناه هنا وهناك؛وكأنه يطالع ويشاهد ما لا يراه غيره؛ثم يردف متسائلا: أمثلي يخاف من الموت؟لقد رأيت جدي رسول الله:يأمرني بالمسير إلى الكوفة؛وأنا ممتثل للأمر .. سواء كان لي أم علي!•أكبرت في هذا الإمام كيف أنه لم يمنع الماء عن مقاتليه بعدما تمكن منه أول الأمر حين أشار عليه أحد أصحابه فيرد قائلًا:أيقال أن الحسين منع رفد الفرات عن أعدائه؟•أكبرت في شخص هذا الرجل كيف اجتمع بأصحابه ليلة المعركة ويقرر لهم: أن القوم لا يطلبون غيره؛وأنهم في حل من أمره؛ويطلب منهم الرحيل في ظلام الليل الساتر ولا تثريب عليهم!•نعم أكبرت فيه كيفية الزود عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛حتى آخر قطرة من دمائه الذكية الطاهرة .•وكأن صدى صوته الشجي ينادي في آفاق الكون:الدين لعق على ألسنة الناس يزينون به مجالسهم؛فإذا وقع البلاء قل الديانون.•بعد استشهاده عليه السلام تم أسر النساء والأطفال؛و منهم أخته السيدة زينب التي أخذت زمام القيادة؛و ألقت الخطبة بعد الخطبة؛ تدين فيها عمل يزيد و حاشيته؛ حيث بلغت ذروتها في المواجهة في ديوان الحاكم الخاص. و لربما كانت العقيلة زينب أول شخص يلهمها موقف الحسين، حيث استنبطت القوة مما حصل له لاحداث التغيير. رفضت أن تقهر؛ووضعت خوفها جانبا؛حتى تتمكن من محاسبة المسئولين عن الفساد الأخلاقي في المجتمع.وعلى الرغم من تفشي العقلية الذكورية في المجتمع في ذلك الوقت، تمكنت السيدة زينب سلام الله عليها من قيادة الرجال والنساء على حد سواء. و اتخذت من الحسين مثالا لها يلهمها أن شخصا واحدا يمكنه أن يقف وحده ضد جيش بالآلاف، ألهمها لدرجة أنها وبخت و ذمت يزيد في قصره الخاص، واضعة الأسس لإسقاط دولته إلى الأبد...•تختار العقيلة زينب(مصر) محطا لرحالها وتدعو لهذا البلد الآمن قائلة:"آويتمونا يا اهل مصر أواكم الله ونصرتمونا نصركم الله؛جعل الله لكم من كل هم فرجا؛ومن كل ضيق مخرجا"فما أشبه الليلة بالبارحة حين تنبأ جدها؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا:"إذا فتح الله عليكم مصر؛فاتخذوا منها جندا كثيفا فإنهم وأهليهم في رباط إلى يوم القيامة".•يقوم اليوم الملايين من الناس إجلالا للحسين بن علي؛عن موقفه؛ ويتذكرون سنويا بل كل لحظة؛ المعركة المأساوية التي حدثت له ورفاقه.. تلكم المعركة التي غيرت مجرى التاريخ .•فحين أذهب إلى ضريحه الأنور بقاهرة المعز؛ أرى كيف أن الناس يتسابقون أن تمس أياديهم مقصورة الضريح؛ بل وتلثم شفاهم عتبات مقامه الشامخ؛ بدافع من الحب والشوق الدفين لفلذة كبد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته من الدنيا.والغريب أن أتباع الوهابية يحاولون وبطرق مختلفة ان يغيروا معالم تلك القضية؛ في سبيل تبرئة الطاغية يزيد من جريمة قتل الإمام الحسين عليه السلام!وإلقاء كامل المسؤولية على واليه في الكوفة عبيد الله بن زياد؛ الذين يزعمون أنه تصرف من تلقاء نفسه ومن دون مراجعة أميره يزيد في مسألة قتل الإمام عليه السلام،  لكن القصة بهذا السياق  لاتكتمل فصولها لأن المؤرخين أوضحوا كل شيء؛ وقدموا كل تفاصيل القصة؛ بما لايدع مجالا للشك والارتياب بالنسبة إلى مسئولية الطاغية يزيد بجريمة قتل سبط نبي الأمة وسيد شباب أهل الجنة.ذهب يزيد وجنده إلى مزبلة التاريخ؛ وبقى الحسين رمزا تطوف حوله أرواح الشرفاء جيلا بعد جيل.•بينما جند يزيد كانوا يقولون له: كم تدفع لنا من المال؟ كان أنصار الحسين يتمنون لو أنهم يقتلون دونه ألف ألف مرة، تعلمت من الحسين بن علي  كيف أكون مغلوبا فانتصر.•حبنا للحسين لا يحتاج لطما على الخدود؛أو ضربا على الصدور؛ بل حبنا لجنابه الشريف اتباع لا ابتداع.سيظل الحسين صوتا مجلجلا يضرب آذان الشرفاء  ويؤرق مضاجع الظالمين جيلا بعد جيل.

مشاركة :