في برنامج للاستشارات الإدارية لدولة خليجية تتخلله دورة تدريبية مسائية حول القيادة والإدارة، وفي محور التوعية الوظيفية بالتحديد أثرتُ سؤالا، وهو: ماذا نريد نحن كمسؤولين من الموظف؟ وخاصة أن المتدربين كان معظمهم من فئة المدراء وأكثر.أخذنا جزءا من الوقت ونحن نتحدث عن هذا الموضوع بعد أن قمنا بعمل فرق عمل لمناقشة هذا الموضوع، وطبعًا كانت الآراء شبه متفقة على اعتبار أن المتدربين من فئة واحدة تقريبًا، وعندما انتهت فرق العمل من الإجابة على هذا الموضوع طرحتُ السؤال الآخر والذي أعتقد أنه مكمل للسؤال الأول، وهو: ماذا يريد الموظف من المسؤول؟ولكن هنا اختلفت الآراء كثيرًا، فمنهم من قال الراتب، ومنهم من قال الاحترام، وهكذا وفي النهاية لم نتوصل إلى نتيجة واضحة، فاقترحتُ أن نعمل استبانة صغيرة، ربما لا تتعدى خمس أسئلة تدور كلها حول السؤال المطروح، وفي الغد نقوم بتحليل الإجابات ونرى ماذا يخبئ لنا الغد، وأنا أعرف ان هذه ليست منهجية علمية متكاملة في إعداد استبانة ولكن نحن هنا لا ندرس الموضوع بمنهجية علمية لإعداد دراسة وإنما نحن في دورة تدريبية لها أهداف محددة نرجو تحقيقها.عمومًا، في الغد حاولنا أن نتعرف على احتياجات الموظف، وإليكم بعض النتائج التي تم التوصل إليها، وهي كالتالي ومن غير أرقام أو نسب مئوية:1- الراتب والاستقرار المالي؛ وهذا أمر طبيعي، فالجميع يعمل من أجل المال ليعيش عليه ويستقر من الناحية المادية والاجتماعية والنفسية، وجميعنا موظف سواء الذي يستلم راتبا قدره 300 دينار أو من يستلم 4 آلاف دينار، فالجميع يحتاج إلى المال، وحتى الذي يعمل في القطاع الحر فإنه يعمل من أجل المال.2- الأمن الوظيفي؛ وهذه القضية تابعة للقضية الأولى بصورة أو بأخرى، فالكثيرون - وخاصة الذين يعملون في القطاع الخاص - لا يشعرون بالأمان الوظيفي وخاصة في هذه الفترة من الزمن، حيث أنه يمكن أن يستلم رسالة انتهاء خدماته قبل أن يستلم راتبه.3- الإصغاء الجيد؛ يعتقد بعض المسؤولين أنه مستمع جيد لآراء الموظفين، وربما هذا حق، إلا أنه ينسى أو يحاول أن يتناسى أن الإصغاء يختلف تمامًا عن الاستماع، فالكثير من الموظفين يعانون من أن مسؤوليهم لا يصغون، وإن اهتموا ببعض الأمور فإنه يستمع فقط ولا يصغي لأنه غير مهتم. ولكن عندما يكون المسؤول منصتًا جيدًا لحاجة موظفيه، فإن مقدار الإنجاز في العمل سيزداد والإنتاجية ترتفع بإيجابية ولا سيما إن الإصغاء يساعد على إيجاد حلول للمشاكل، كما إن الإصغاء يُشعر الموظفين أنهم جزء مهم في منظومة العمل وأنهم شركاء نجاح وليسوا فقط مجرد عاملين موكلين بحزمة من المهام.4- الوضوح؛ عدد من الموظفين أشار الى أن العديد من المهمات التي توكل إليهم غير واضحة بالنسبة إليهم، فالعديد من المسؤولين لا يشرح المهمة بصورة واضحة، ربما لأنه هو لم يفهمها أو ربما - كما يعتقد بعض الموظفين - أنه يتعمد أن يكون مبهمًا، حتى يتمكن من محاسبة الموظف ويوبخه إن وقع في الخطأ.5- التحفيز والتشجيع؛ ونعتقد ان هذا الموضوع من أكثر الموضوعات المثيرة والمطلوبة لدى الموظفين، فالعديد من الموظفين في الكثير من المؤسسات يفتقدون التشجيع من رؤساءهم، إذ يقول المسؤول بينه وبين نفسه (بما أن هذا الموظف يأخذ راتبا فلماذا أحاول تشجيعه وتحفيزه؟ فهذا عمله يجب أن يؤديه وأن يقوم به)، وكلنا نعرف ان هذا المبدأ خاطئ، فجميعنا يحتاج إلى تشجيع وتحفيز.6- المرونة والإنسانية؛ نقصد هنا المرونة في التعامل وإنسانية الأسلوب، فالموظف يحتاج إلى تفهم ظروف حياته، فهو ربما عانى الأمرين حتى حصل على هذه الوظيفة، أو ربما أنه يعاني من مشاكل إنسانية في المنزل وفي حياته اليومية، وهذا قد يقود إلى بعض الأخطاء التي يعتقدها بسيطة والتي لن تؤدي إلى كارثة مهنية، لذلك فإن على الطرف الآخر - أي المسؤول - أن يعرف كيف يتعامل مع هذا الإنسان حتى يمكن أن يستفيد منه، وكيف يستفيد منه.7- المشاركة في الإدارة؛ العديد من الموظفين لديهم خبرة راقية جدًا في القيادة والإدارة ربما أفضل بكثير من المسؤول نفسه، وذلك - ربما - لخبرته أو تعليمه أو ما شابه ذلك، لذلك فمن المستحسن أن يتم مشاورة الموظفين حتى في بعض القضايا الصغيرة، فلماذا - مثلاً - لا يكون هناك اجتماع أسبوعي بين المسؤول والموظفين يناقشون قضاياهم اليومية ومشاكلهم وما إلى ذلك، أو حتى كيفية تطوير العمل وكيف يمكن تسهيل العمل وتطويره في الإدارة؟8- الاعتراف بجهود الموظف؛ العديد من المسؤولين يسرق أفكار موظفيه ويقدمها الى الإدارة العليا على اعتبار أنها أفكاره، والموظف لا حول له ولا قوة، يخاف أن يتحدث لأنه سوف يعاقب، وفي نفس الوقت يعاني التهميش لأنه لا يقدم ما يطور الجهاز الذي يعمل فيه، لذلك فإنه من الذكاء الإداري أن يقوم المسؤول بهذا النوع من الاعتراف ويقدم - على الأقل - رسائل شكر للمقترحات الجميلة ويشجع الموظفين على تقديم الاقتراحات المبدعة من أجل تطوير العمل من جهة، ومن جهة أخرى يضمن فيها الموظف أن جهوده لا تذهب هباء.9- التدريب والتعليم المستمر؛ الكثير من الموظفين يشعرون أن الدنيا تسير وتركض من حولهم وهم جامدون ولا يتحركون، فالدورات التدريبية العملية – إن كانت هناك دورات - تذهب الى السادة والمسؤولين وخاصة الدورات والندوات الخارجية، وأما الدورات التي تشبه الفتات والدورات الداخلية والتي لا قيمة لها فإنه ترمى إليهم، ليس ذلك فحسب وإنما يمُن المسؤول عليهم أنه ترك لهم الفرصة حتى يحضروا تلك الدورة، وفي النهاية فإنهم يحضرون مجبرين الى تلك النوعيات من الدورات وتحسب عليهم وفي النهاية لا يستفيدون منها.10- أن تكون العلاقة بين الموظف والمسؤول علاقة مكسب - مكسب وليس علاقة استغلال؛ وهذا يعني الكثير، فالجميع يعمل من أجل مصلحة المؤسسة، ومن أجل تطويرها وتنميتها، فلماذا لا يحترم المسؤول الموظف ويعامله على اعتبار أنه إنسان؟ لماذا لا يوجد احترام متبادل، لماذا لا توجد علاقة إيجابية مبنية على الاحترام والتقدير؟ فكل موظف يحتاج إلى ما يحتاج إليه المسؤول هو نفسه من الإدارة العليا من تقدير واحترام وتحفيز وثناء على الأعمال أو المهام المكلف بها، فالموظف يحتاج الى أن يشعر أنه جزء من المؤسسة، وعنصر مؤثر في نجاح المؤسسة، بل وربما يجب أن يُشعره المسؤول أنه هو المسؤول في الكثير من الأحيان.حسنٌ، هذه بعض الأمور التي وجدنا أن الموظف يريدها من المسؤول، لنعود إلى الجزء الأول من السؤال: ماذا يريد المسؤول من الموظف في مقابل توفير كل هذا؟1- الاحترام وأخلاقيات العمل؛ ينشد كل المسؤولين ومن غير استثناء أن يلتزم جميع العاملين بأخلاقيات العمل، فالالتزام بأخلاق العمل من الأشياء التي يجدون أنه لا يمكن الاستغناء عنها في أي إطار عمل، ومن جانب آخر فإنهم يودون أن يشعروا أن الموظف يحترمهم ويحترم آراءهم حتى وإن كانت شخصياتهم ضعيفة أو غير ذلك، وحتى وإن كانت آراءهم غير مقنعة.2- يقف المسؤول في موقع المسؤولية؛ فهو يتعرض للضغوط الإدارية، وبالذات فيما يتعلق باتخاذ القرارات، لذلك فهو يبحث عن موظف ذكي يقوم بالعمل الموكل إليه دون أخطاء، لذلك فإنه يجب أن يشعر أنه عندما يوكل الموظف بمهمة فإنه يجب على ذلك الموظف تحري الدقة ومراجعة خطواته ومراجعة عمله قبل أن يعرضه على المسؤول. 3- عامل الوقت مهم جدًا عند المسؤول، وذلك بسبب كثرة المشاغل والمهام الموكلة إليه؛ لذلك فهو يريد أن تقدم له النتائج أو المعلومات أو أي شيء طلبه في اللحظة التي يريدها وربما بأسرع من ذلك قليلاً.4- النتائج المفيدة والإيجابية هي التي يبحث عنها المسؤول؛ والتي تجعله يشعر بالرضى نحو الأعمال المنجزة، لذلك على الموظف أن يدرك ذلك، ولا يشعر أن المسؤول يضغط عليه لمجرد أن يفرد عضلاته.5- التذمر يسبب للمسؤول الكثير من الاستياء؛ فعادة يبحث المسؤول عن الموظف المتفائل الذي يخفف عنه الضغوط النفسية التي يسببها العمل، لا عن الموظف المتشائم المتذمر الذي يوتر جو العمل، ويسبب له الكآبة والإحباط، وحتى في العمل فإنه عندما يطلب المسئول من الموظف عملا ما فإنه يحتاج الى أن يسمع جملة (إن شاء الله)، وليس (إن هذا ليس عملي).6- الاعتراض بشكل جذري ودائم على طريقة إدارة المسؤول لسير العمل؛ إن هذا الأسلوب وهذا التصرف من شأنه أن يوسع الفجوة بين الموظف والمسؤول، حيث إن المسؤول يبحث دائمًا عن من يوفر له الراحة الإدارية، بمعنى الموظفين المريحين من الناحية التنفيذية لقرارات المسؤول.7- التحدي المباشر للمسؤول؛ خصوصًا أمام الموظفين والآخرين، فهذا من شأنه أن يتحدى شخصية المسؤول الأساسية، وكيانه ومنصبه الوظيفي، فمثل هذا التصرف من شأنه أن يدعم فكرة استبدال الموظف بموظف آخر في أقرب فرصة ممكنة، وكذلك حرمان الموظف من أي امتيازات أو مكافئات أو علاوات، حتى وإن كان يستحقها.8- المسؤول الواثق من نفسه ومن قدراته عادة يبحث عن الموظفين الأكفاء والمميزين، وهو يبحث عن الموظفين المميزين ليضعهم في واجهة المؤسسة وممثلين لها عند التعامل مع الجهات الخارجية، لذلك فإن الفئة ذات الكفاءة العالية في المؤسسة يتم اعتبارهم نخبة، حيث أنهم في الغالب يمتازون بالبراعة فيما يتعلق بالعلاقات العامة، ويتمتعون بمهارات اتصال مميزة ودبلوماسية كبيرة، بالتأكيد فهؤلاء من المفروض أن يحصلوا على تقديرات ومكافآت ممتازة، ودائمة. 9- مهارات التعامل مع الآخرين؛ تلعب مهارات الإنسان في التعامل مع زملاء العمل والمسؤولين وعملاء المؤسسة دورًا مهمًّا في نجاح الموظف وشخصيته ومدى قربه وبعده من المسؤول، فالمسؤول ليس لديه الوقت الكافي حتى يحل مشاكل الموظف مع زملاء العمل، وليس لديه الوقت الكافي حتى يسمع كل يوم عشرات الشكاوى التي يقدمها العملاء ضد الموظف، لذلك فعلى الموظف أن يُظهر قدرات على العمل الجماعي وألا ينفرد لوحده، وأن يحسن التعامل مع الآخرين.10- الحماس والقابلية أو القدرة على التعلم؛ تقول كتب الإدارة أنه «لن يتيح لك الحماس وحده الحصول على الوظيفة وإنما يقرب المسافات بينك وبين صاحب العمل، إن الموظفين الذين يتمتعون بالحماس يظهرون روح المبادرة ويتفانون في أداء وظيفتهم، وفي أي المراحل الأولى من استلامك أية وظيفة، سيتعين عليك تعلم الكثير، ولذلك يريد أصحاب العمل التأكد من أن ستبذل الجهد والوقت الضروريين لتعلم أسرار الوظيفة، كما أن صاحب العمل يعلم أن الحماس ينتشر بسهولة، ولذلك فهم يأملون أن تعيين موظف يمتلئ بالحماس سيشجع الموظفين الآخرين على بذل المزيد من الجهد ويرفع الروح المعنوية في المؤسسة».ربما هذا ما تمخض عن النقاش في دورة مبادئ فن القيادة والإدارة وفي تلك الجلسة بالتحديد، ومن الطبيعي أن هناك الكثير من الأمور التي أغفلناها، لسبب أو آخر، وربما تجدها أنت عزيزي القارئ قضية مهمة، فإن وجدت ذلك يمكن أن ترسلها لنا حتى نتمكن في المرات القادمة من استكمال هذا الموضوع من خلال آرائك.Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :