قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. سعود بن إبراهيم الشريم: إن التميز غاية ينشدها كل مجتمع واعٍ، وكل فرد هميم، وهو مقصد ظاهر من المقاصد التي أصلها الإسلام وأكد عليها، وبين أن العبرة في الأشياء بكيفها وتميزها، لا بكمها وهبائها، فإن الله جل شأنه قال: (ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً) ولم يقل أكثر عملاً؛ لأن العبرة بالحقيقة لا بالشكل، وقديماً قيل: دون الرغوة اللبن الصريح. وأضاف في خطبة الجمعة أمس من المسجد الحرام بمكة المكرمة: التميز ليس تكلفاً ولا حمل ما لا تطيقه النفس، وإنما التميز شحذ همة وبذل جهد لنفس تملك مقومات التميز، ولديها من الهمة على بلوغ درجته ما تجعل صاحبها يبذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق تلكم الغاية، وإنه ما من أحد من الناس إلا لديه مكمن من مكامن التميز، غير أنهم يتفاوتون في كشفه والغفلة عنه، وما يتاح أمامهم من محاضن لرعاية الموهوبين، وما يكون من مبدأ الثواب للمميز. وتابع: فكما أن العقاب ملجم للمرء عما يقبح به، فكذلك الثواب خير حافز لشحذ همة التميز أمامه، وما ميز الله الإنسان بالعقل السليم والجسم الصحيح، إلا ليذكي من خلالهما خصلة التميز الكامنة، والناس ليسوا على حد سواء في المستوى الذهني ولا البدني ولا المعيشي، لكنهم مع تفاوتهم هذا يمكن لكل أحد منهم أن يتميز بما أتاح الله له، فالمزارع ليس كالطبيب، غير أن لكل منهما تميزه في مهنته، والفقيه ليس كالكاتب، غير أن لكل منهما تميزه في فنه. وأشار الشيخ الشريم إلى أن التميز في الحقيقة ليس قيمة مطلقة لا تدخلها النسبية، فليس ثمة تميز مطلق، بل لكل تميزه اللائق به، وليس من وصفه الكمال التام، وما لا يدرك كله لا يترك كله، ووصول المميز ولو متأخراً خير له من ألا يصل أبداً، وإن لم يستطع أن يكون في المقدمة فليحرص على ألا يكون في المؤخرة، فلربما كان تميزه في عدم الفشل حين يكثر الفاشلون، كما أن عدم تميزه يعد فشلاً حين يكثر المميزون، ولا يدخل التعثر في مثل ذلكم؛ لأن التعثر عتبة من عتبات التميز التي لا يتم الوصول إليه إلا من خلالها، وليس العيب في مجرد العثار، وإنما العيب في تكرر العثار بنفس الطريقة. وبين: أن التميز بذل موجود وليس تكلف مفقود، وكل امرئ أعرف بالمجالات التي يجدر به التميز فيها، والمجالات التي ليست من بابته ولا هو منها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبدي هذا المعنى لصحابته، لما يلمسه من همة كل أحد منهم، فإنه لما جاءه رجل وشكى حاله قائلاً: «يا رسول الله! إن شعائر الإسلام قد كثرت عليَّ فأخبرني بأمر أتشبَّثُ به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله». وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام، على أن الضعيف لا يبلغ بالإدارة مبلغ التميز؛ لأنها تفتقر إلى قوة تقف أمام التحديات، وتحسن التصرف في تذليل العقبات، فإن التميز الإداري ليس بالتمني ولا بجمال الفكرة المطروحة، وإنما التميز في الفكرة المنطلقة من إمكان تحقيقها في الواقع بقوة حاملها، وفاقد الشيء لا يعطيه، والمرء العاقل لا يعسف نفسه على ما ينافي طبعه وميوله التي يجيدها ويتقنها؛ لأنه سيقصر فيها أكثر مما يحسن في الوقت الذي لا يقبل منه إلا الإتقان. جموع المصلين بالحرم المكي
مشاركة :