حدَثَ ما كان متوقَّعاً... فحكومة ربْط النزاع دخلت أمس - مع رفْع مداولات جلسة مجلس الوزراء - مرحلة من الشلل المفتوح على سيناريوات غامضة، في اللحظة التي يعاني لبنان منذ أكثر من عام فراغاً في رئاسة الجمهورية وتعطيلاً للبرلمان، وهو الأمر الذي يجعل الدولة في مؤسستها الناظمة في وضع معلَّق على أحبلة التحولات اللاهبة التي لم تشهد المنطقة مثيلاً لها منذ نحو 100 عام. الشلل دهم حكومة الرئيس تمام سلام من بوابة ملف التعيينات الأمنية، بعدما فشل مجلس الوزراء أمس، في التوافق على تعيين رئيس شعبة المعلومات العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي، نتيجة إصرار وزراء العماد ميشال عون على مبدأ السلّة الواحدة في التعيينات، اي تعيين قائد جديد للجيش قبل 3 أشهر من انتهاء خدمة العماد جان قهوجي، وذلك بما يضمن وصول صهر عون، العميد شامل روكز الى قيادة المؤسسة العسكرية. وإزاء هذا التمتْرس، عمد وزير الداخلية نهاد المشنوق، وقبل ساعات قليلة من إحالة المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء إبرهيم بصبوص على التقاعد، الى التمديد له تحت عنوان «تأجيل التسريح» لمدة سنتيْن، بعدما كان ثمة انطباع بأنه قد يكتفي بالتمديد له لمدة 3 اشهر، فيحصل عندها التزامن بين ملفيْ قيادة الجيش والامن الداخلي، وهو ما اعتُبر رسالة تشدد باتجاه عون، المندفع في مسألة تعطيل عمل الحكومة، ما لم يتم السير بروكز قائداً للجيش. ورغم الإعلان عن جلسة جديدة لمجلس الوزراء الخميس المقبل، فمن الواضح ان وزراء تحالف عون - «حزب الله» سيعملون على شلّ عمل الحكومة، من بوابة عدم مناقشة اي بند قبل بت ملف قيادة الجيش، وضمان تنفيذ التكليف الذي مُنح للجيش في عرسال، بما يعني وفق مفهوم «8 آذار» ان يُعمد الى تحرير جرود البلدة من المسلحين السوريين. وتشكّل اشارة مواصلة الدعوات الى جلست حكومية، وهو ما يحظى بدعم رئيس البرلمان نبيه بري، مؤشراً الى أن الحكومة باقية كجسم مؤسساتي وإنْ كان عاطلاً عن العمل، وأن سقف المواجهة امام عون و«حزب الله» لا يسمح - على الأقل في المرحلة الراهنة - بخيارات دراماتيكية من نوع الاستقالة أو حتى الاعتكاف. وكان لافتاً، استباق رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الجلسة، بالتغريد على موقع «تويتر» بموقف اتخذ دلالات بارزة ومعبّرة، اذ كتب: «أما وقد قرّر البعض من الاقطاب السياسيين الدخول في مرحلة الشلل الجزئي، والنار تحيط بنا من كل حدب وصوب، وليس في الافق اي ملامح لانتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي لن تسمح المزايدات بالوصول الى تشريع الضرورة.. فأعلن أنني لن اقوم باي مبادرة». وزاد على ذلك بسخريته المعروفة،عبر ذكر بيت شعري للمتنبي، قائلاً: «أكتفي بالقول: (يا أمة ضحكت من جهلها الأمم) ويا ساسة ضحك من عبثكم العالم، لانني سبق ان قدمت اقتراحا متوازنا تفاديا للوقوع في الشلل فرفضته المرجعيات الكبرى، فلست امام هؤلاء إلا عبدا فقيرا يعرف حدوده». وبدت تغريدات جنبلاط بذاتها كافية لرسم ملامح الازمة التي واجهتها حكومة الرئيس سلام العائد من زيارة ناجحة للسعودية، التقى خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وكبار المسؤولين، وتم وضع مجلس الوزراء في أجوائها. وعبّر سلام عن ارتياحه لنتائج محادثاته في السعودية وسروره لما لمسه من تجديد التزامات المملكة تجاه لبنان وحرصها على اللبنانيين العاملين هناك، وسط تقارير نقلت عن خادم الحرمين الشريفين إعرابه عن حرصه على سيادة واستقرار لبنان، متوجهاً إلى سلام بالقول، وفق مصادر وزارية شاركت في الاجتماع الموسّع: «نريدكم موحّدين ومجتمعين على كلمة سواء واحدة في لبنان»، مبدياً في هذا المجال أمله في أن «يتفق اللبنانيون على انتخاب رئيس توافقي للجمهورية»، قبل ان يوجّه اشارة بارزة، اثنى فيها على الرئيس نبيه برّي ومواقفه الحكيمة ووصفه بـ «الرجل العاقل».
مشاركة :