على الرغم من الاهتمام العالمي المعتاد بالانتخابات الإيرانية، الا ان الانتخابات الأخيرة التي جرت يوم الجمعة الماضي اكتسبت أهمية خاصة لاعتبارات عدة، فهي الانتخابات الأولى التي تجري بعد سلسلة الاحتجاجات الشعبية ضد السياسات الاقتصادية الحكومية والتي اجتاحت العديد من المدن والمناطق في ايران والتي واجهتها الأجهزة الأمنية برد فعل عنيف، كمان انها أيضا الانتخابات الأولى التي تجري بعد انهاء الإدارة الامريكية التزامها تجاه الاتفاق النووي الإيراني وكذلك هي الانتخابات الأولى التي تجري بعد عملية تصفية القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني على يد الولايات المتحدة وما تبع هذه العملية من تصاعد في التوتر بين البلدين. ينظر كثير من المراقبين الى هذه الانتخابات باعتبارها مؤشرا لتوجه السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية، مع وجود شعور كبيرة بعدم التفاؤل بحدوث تغييرات إيجابية داخليا او خارجيا، فمع واقع منع السلطات الإيرانية للألاف من المرشحين المحسوبين على التيار الإصلاحي من الترشح، ومع نسبة الاقبال المنخفضة التي شهدتها الانتخابات، فان النتائج المتوقعة ستصب في اتجاه مزيد من السيطرة للتيار المحافظ على السلطتين التشريعية والتنفيذية في البلاد، وهو ما يعني التأكيد على استمرار النهج المتشدد الذي يقوده هذا التيار داخليا وخارجيا. ما يمكن استنتاجه بشكل مباشر من نتائج هذه الانتخابات هو استمرار النهج المتشدد في التعامل مع أي احتجاجات شعبية في الداخل الإيراني، فالتيار المحافظ وادواته على الأرض لن يسمح بتطور هذه الاحتجاجات بأي شكل من الاشكال، فهذا الموضوع يشكل لدى النظام في ايران خطا أحمر لا يمكن التساهل معه، فالاحتجاجات الشعبية تعتبر من وجهة نظر الكثير من المراقبين التهديد الحقيقي لاستقرار نظام الحكم في طهران، ويرى محللون ان أجهزة الحكم في ايران على مختلف مستوياتها لا تعتبر الصراع مع الولايات المتحدة او حتى العقوبات الاقتصادية تهديدا مباشرا للنظام، ولكنها تنظر بعين مختلفة للاحتجاجات الداخلية، ولعل ما يمكن ان نشير له هنا هو انه في هذا العام تمر الذكرى الاربعون للثورة على نظام الشاه، ويستحضر معها الإيرانيون مشاهد الاحتجاجات الشعبية التي اسقطت النظام وقتها والتي كان السبب الأساسي في انطلاقها الظروف الاقتصادية الصعبة. فيما يتعلق بالسياسية الخارجية الإيرانية فمن غير المتوقع ان تتغير كثيرا مع نتائج الانتخابات، ربما تصبح هذه السياسة اكثر تشددا في التعامل مع القضايا المرتبطة بالملف النووي، ولكن في المجمل لا يمكننا ان نتوقع تغييرا كبيرا في السياسات الإيرانية الخارجية، سواء الدبلوماسية او العسكرية. سيطرة المحافظين واستمرار نفس النهج في السياسة الخارجية لا يعني بالضرورة انسداد الأفق للتوصل الى تفاهمات بين طهران والقوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وعلى الرغم من ان الدولتين يخوضان حاليا حربا غير كلاسيكية على مسارات مختلفة، الا ان التاريخ القريب لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يخبرنا ان الرجل مستعد لعقد الصفقات في أوقات وظروف غير متوقعة، ولنا في الاتفاق مع النظام الكوري الشمالي وكذلك مع حركة طالبان في أفغانستان أمثلة واضحة على الطريقة التي يفكر بها ساكن البيت الأبيض. مرة أخرى، تؤكد الطريقة التي جرت بها هذه الانتخابات بأن الازمة الأساسية في إيران هي ازمة داخلية، وأن كافة الإجراءات التي تمت وخاصة ما يتعلق بحرمان الالاف من التيار الإصلاحي من الترشح، هي مؤشرات على وجود أزمة داخلية حقيقية، هذه الازمة مرتبطة بالدرجة الأولى بالملف الاقتصادي ومن ثم بالملف الاجتماعي.
مشاركة :