* التفاؤل الذي أبدته الأوساط المسيحية في حلحلة الوضع، هي تفاؤلات حذرة نظرا لسمة الإصرار والعناد اللذين يتمتع بهما رأسي القطب المسيحي في لبنان واستنادهما إلى موازين قوى داخل كل تحالف تتواتر الأنباء عن تطور في معارك جرود عرسال اللبنانية التي يخوض فيها الجيش السوري وحزب الله معارك طاحنة مع جبهة النصرة وجيش الفتح وجماعات مسلحة أخرى منذ أكثر من أسبوعين في معركة ما يطلق عليه هنا في لبنان سلسلة جبال القلمون الشرقية التي تتداخل فيها الحدود اللبنانية والسورية بطريقة يصعب تفكيكها خصوصا مع شطب الجماعات المسلحة لإشارات الحدود بين البلدين بتأسيسها إمارات نصب عليها أمراء بعضهم لا علاقة لهم بلبنان أو سوريا. خلال الأيام الماضية تمكن حزب الله من تشديد الحصار على جرود عرسال واقترابه من عرسال البلدة، بينما كانت عشائر بعلبك والهرمل تعقد جلسات التحشيد تحت شعار طرد الإرهاب من بلدة عرسال، في وقت تقذف هذه القضية إلى السوق السياسية، حيث تتبادل الأطراف اللبنانية الاتهامات على الطريقة اللبنانية التي ترنو لاستثمار هذه المسألة في معركة الرئاسة اللبنانية التي تواجه لبنان منذ أكثر من عام. فالفراغ الدستوري بسبب عدم تمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس الجمهورية نظرا لتكرار تطيير النصاب المطلوب في كل الجلسات السابقة، وضع لبنان أمام استحقاق غير مسبوق لشغر منصب رئيس الجمهورية لمدة طويلة، بدأت تؤثر على التحالفات الداخلية، خصوصا في الجانب المسيحي الذي يأتي رئيس الجمهورية منه، وبالتالي تعظيم الضغط على مكوناته لحسم منصب الرئاسة قبل أن يدخل لبنان في حقبة جديدة تتهيأ لها الأطراف المتحاربة في الجرود لتنتقل إلى الشمال اللبناني في طرابلس وجوارها بعد أن تحسم معركة عرسال. في هذا السياق يأتي لقاء الخصمين اللدودين الجنرال ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر المتحالف مع 8 آذار مع رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع العضو المؤسس لجماعة 14 آذار. حسب ما رشح من أنباء، فإن جعجع الذي يلقبه أنصاره بالحكيم، فاجأ الجنرال عون في موقعه بزيارة غير متوقعة، رغم أن العلاقات بين الجانبين قد أخذت وطرا في طرح مذكرة تفاهم تركز على منصب رئيس الجمهورية. اللقاء بحد ذاته أثمر انفراجا في الجانب المسيحي الذي يتقلص دوره في لبنان وزاد الطين بلة فراغ كرسي الرئاسة بسبب عدم توصل الجماعات المسيحية على شخصية تملأ الفراغ الحاصل. يستتبع هذا الإرباك، مسألة تعيين قائد جديد للجيش اللبناني، وهو موقع خلاف بين الجنرال والحكيم أيضا، بينما يتمترس الآذاريون وراء حلفائهم في الصراع المسيحي- المسيحي. لكن التفاؤل الذي أبدته الأوساط المسيحية في حلحلة الوضع، هي تفاؤلات حذرة نظرا لسمة الإصرار والعناد اللذين يتمتع بهما رأسي القطب المسيحي في لبنان واستنادهما إلى موازين قوى داخل كل تحالف. وفي الجانب الآخر، لا تزال الحكومة تعاني من وضع حرج قد يقود لتجميد نشاطها بالكامل، خصوصا حين يكون الحديث عن تعيين قائد للجيش ومدير عام لقوى الأمن الداخلي الذي تسربت أنباء عن التجديد للمدير الحالي. وقد تسهم زيارة رئيس الحكومة تمام سلام للملكة العربية السعودية ولقاؤه خادم الحرمين الشريفين التي أنجزت في الأيام القليلة الماضية، في حلحلة الوضع الداخلي إزاء الأولويات التي يتمسك بها تيار المستقبل. في هذه الأثناء يراقب أهالي العسكريين المختطفين لدى جبهة النصرة وجماعات مسلحة أخرى، ما تسفر عنه معركة جرود عرسال وبلدتها، بعد أن انسحبت النصرة من مناطق كانت تحتجز فيها العسكريين اللبنانيين، ويتهيأ هؤلاء للتحرك الميداني لممارسة الضغط على الدولة من أجل حل مشكلة أبنائهم المختطفين وإن كان ذلك بتبادل مع المحتجزين المتهمين بالإرهاب وإطلاق النار على الجيش اللبناني. ومع أن القضايا الداخلية تشكل حيزا كبيرا من اهتمامات اللبنانيين، إلا أن معركة عرسال هي العنوان الطاغي في الأيام القليلة الماضية، وذلك لجهة تموضع الأطراف في الجرود اللبنانية وفي الأراضي السورية، بعد أن سيطر تنظيم داعش على مدينة تدمر التاريخية وتمدد في الأنبار العراقية وحقق مكاسب على حساب الجماعات المسلحة في مناطق محاذية للحدود مع تركيا. والمرجح أن يدخل داعش على خط المعارك في الجرود التي يسيطر على مساحات كبيرة منها في عرسال تصل إلى أكثر من 200 كيلومتر مربع. هذا الوضع يشكل ضغطا على جميع الأطراف اللبنانية، بينما تطل الجماعات المسلحة من زوايا ومناطق جديدة مستثمرة حالة الشلل التي تعاني منها مؤسسات الرئاسات الثلاث: رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة المجلس النيابي. لكن كل ذلك مرهون بتطور الأوضاع في سوريا بعد أن فقد الجيش السوري مناطق جديدة، وتزايد الحديث عن معارك فاصلة قد تغير المشهد برمته بما فيه المشهد اللبناني المرتبط ارتباطا وثيقا بالحالة السورية.
مشاركة :