هل تقود غانا التحول في القارة السمراء؟

  • 2/25/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

نواه سميث * في كل مرة تتحول فيها منطقة من العالم من الفقر إلى الغنى، تقود دولة واحدة انطلاق عملية التحول، ففي أوروبا قادت المملكة المتحدة التحول باعتبارها منطلق الثورة الصناعية، وفي شرق آسيا كانت اليابان، وفي غرب إفريقيا، قد تكون غانا. تتمتع غانا بعدد كبير من المزايا مقارنة مع غيرها من بلدان المنطقة، من حيث الجغرافيا، والمؤسسات، ورأس المال البشري، فهي واقعة على الساحل ما يتيح لها الكثير من المنافذ التي يمكن استخدامها لتصدير السلع، واستيرادها. ويسهم عدد سكانها الكبير نسبياً، (31 مليون نسمة)، في إيجاد سوق محلي كبير في المفهوم الاستهلاكي، ولكنه صغير في مفهوم توفير الكفاءات والمواد الغذائية. ويشكل منتسبو قبيلة «آكان» ما يقرب من نصف السكان، ما يعني أن غانا لديها قدر أقل من التشتت العرقي الذي ابتليت به العديد من دول إفريقيا، ما بعد الحقبة الاستعمارية. وتسجل غانا نتائج جيدة على المؤشرات الدولية في جودة الحوكمة، والحرية، والديمقراطية، وسهولة ممارسة الأعمال التجارية، ومكافحة الفساد. كما أن نسب وفيات الأطفال أقل من جيرانها، ما يؤشر إلى صحة السكان نسبياً، أضف إلى ذلك أن لديها مبادرات جيدة في مجالات التعليم، والتقنية. وقد ساعدت هذه المزايا غانا على أن تكون واحدة من أسرع الدول نمواً في القارة. على الرغم من أن معدل نمو اقتصادها عام 2019 استقر عند 7 % فقط، بدلاً من توقعات صندوق النقد الدولي التي وضعتها عند 8.8%، إلا أن النمو لا يزال قوياً للغاية. لكن، لكي تصبح «يابان» غرب إفريقيا، سيتعين على غانا أن تمر بمرحلة تحول هيكلي، حيث إن صادرات البلاد الرئيسية تقتصر على السلع الأساسية. ليس بالضرورة أن يكون الاعتماد على تصدير السلع الأساسية حكماً بالإعدام على هذه الدولة، أو تلك. وموارد غانا لا ترقى إلى مستويات موارد السعودية، أو النرويج، إلا أن السياسة الحكيمة والمستقرة تضمن لها وضعاً مريحاً بمستوى دخل متوسط كدول مثل نامبيا، وبوتسوانا، وتشيلي. وبذلت غانا في العقود الأخيرة جهوداً متواصلة على طريق تحقق هذا الهدف. وقد زادت الإنتاجية في القطاع الزراعي، ما سمح للعديد من الغانيين بالانتقال من المزارع إلى المدن، حيث يعملون في الأغلب في قطاع الخدمات. وكان هذا نمطاً سائداً في عدد من البلدان النامية الغنية بالسلع الأساسية. وجاء في ورقة بحث أعدها عام 2016 خبراء في صندوق النقد الدولي، منهم دوجلاس جولين، وريمي جداب، وديتريش فولراث: «في البلدان التي تعتمد اعتماداً كبيراً على صادراتها من الموارد، يبدو أن التوسع الحضري يتركز في مدن ترتفع فيها نسب الاستهلاك، حيث تتكون الاقتصادات أساساً من خدمات غير قابلة للتداول». لكن قطاع الخدمات الغاني غير قادر على خلق وظائف آمنة ذات رواتب جيدة. فجزء كبير من الخدمات لا يتصف بالديمومة، وهو غير رسمي وقد تدفقت نسبة كبيرة من مكاسب طفرة السلع على الأثرياء، ما زاد من فجوة عدم المساواة. وتبين لجولين، وزملائه المشاركين في الدراسة، أن أداء سكان مدن الاستهلاك تلك أسوأ بكثير من سكان المدن التي تعتمد اقتصاداتها على التصنيع. وفي الوقت نفسه، أثبت التصنيع أنه أكثر موثوقية في خدمة الاقتصاد الوطني من حيث إنه لا يخضع لتقلبات الأسعار العالمية، كما هو حال السلع، ما يتيح اقتصاداً أكثر تنوعاً، ويشجع على التعلم ونمو الإنتاجية السريع. لكن غنى بلد ما في الموارد الطبيعية قد يحول دون تطوير اقتصاد صناعات تحويلية على وجه السرعة، كما حدث في التجربة الكورية. ذلك أن الصادرات من السلع الرئيسية تزيد من قيمة سعر الصرف، ما يجعل الصادرات المصنعة أعلى تكلفة، كما أنها تجعل الأجور في القطاع الصناعي غير تنافسية. وهذا يفسر تعثر جهود غانا على الرغم من كثافتها، في التحول إلى التصنيع. فقد حاولت إنشاء مناطق اقتصادية حرة مخصصة للتصدير مماثلة لتلك التي أقامتها الصين. ولكن انتهى بها الأمر إلى التخصص بالسلع، بدلاً من التصنيع. مطلوب من غانا الاستمرار في سعيها، وربما تكون هناك فكرة مفيدة تقوم على تقديم الدعم لبرامج وخطط تصدير المواد المصنعة. فإذا كانت برامج الدعم الحكومي مستقرة، وموثوقة، وطويلة الأمد، فلا بد أن تؤدي إلى ترجيح الكفة. وقد يشمل ذلك دعم الأجور للعاملين في الصناعات الموجهة للتصدير، بحيث يتم تحقيق هدفين معاً، هما تحسين مستويات معيشة الطبقة العاملة، وخفض تكاليف الإنتاج في المصانع. وقد يعني ذلك أيضاً تزويد المصانع الموجهة للتصدير بمصادر الطاقة الرخيصة في بلد يواجه صعوبات في التوليد. وهكذا تصبح البلاد أكثر جاذبية للمستثمرين من الصين، والمكان الذي يمكن لرجال الأعمال المحليين أن يزدهروا فيه. * بلومبيرج

مشاركة :