ليس هناك ما يبعد قلب شاب في العشرينات أو منعه من سفر إلى بلد جميل يقضي به وقتاً يروض نفسه قليلاً ويبعد بعض الروتين والهم عنه. طلال شاب سافر مع أصدقائه الى دبي الإمارة الذهبية في دولة الإمارات العربية المتحدة التي يميل اليها القلب ويعشقها المسافر الخليجي والعربي وحتى من العالم. كان يوم طلال الأول مع أصحابه رائعاً فقد قاما بزيارات الى بعض المواقع المشهورة هناك، ولم يفت عليهم تناول العشاء في مطعم عائم ثم الذهاب الى أحد المراقص، كان الصبية قد نالو كثيراً من البهجة الى وقت بزوغ النهار، أما بعد تلك الليلة فقد ناموا وكان نومهم عميقاً وأصبح الوقت ظهراً وهم لازالوا يغطون في نوم عميق بشقتهم التي بدا فيها الهدوء مسيطراً على وضع الحضور. وبمجرد القاء نظرة على هاتف طلال نرى من خلاله رقماً يلوح باتصال من متصل ولأن المتصلة هي هند خطيبة طلال والهاتف قد وضع على الصامت فقد ضاعت فرصة مخاطبة طلال خطيبته هند. لما استيقظ طلال بعد نوم دامس لف احساسه وشعوره، فتح هاتفه ورأى رقم هند التي اتصلت قبل نصف ساعة، خاطبها وهو قيد التعب والشعور بالأرهاق، سألته الم يتصل بك أحد من أهلك؟ وبينما هي تسأله، رن هاتفه ورأى رقم هاتف والده فقال لها انهم على الخط الآخر، سوف أرجع واتصل بك. خاطبه وأصر على رجوعه الى الديرة لأمر غاية في الأهمية ولا نقاش حوله الا عندما يرجع، في مكتب الحجز وعقارب الساعة تشير الى الرابعة عصراً، أخبره موظف المكتب ان أقرب رحلة رجوع له هي غداً الساعة الواحدة ظهراً. في طريقه الى أصحابه خاطب هند وسألها عن حكاية إصرار أهله كي يرجع حالاً. نفت أنها تعرف شيئاً عن الموضوع فقط لأنها لا تريد أن تخبره، وعرفت متى سيرجع وعلى أية رحلة. في اليوم التالي عند نزوله من الطائرة كان القلق يحوم حول ذهنه وهو لا يعرف له حلاً، ولكنه كان فعلاً يريد أن يصل الى البيت في غمضة عين، اتصل بأخويه وأخته كانت هواتفهم ترن ولكن لا أحد منهم يجيب عليه، بعد قسم الجوازات حمل شنطته وكعادة أي مسافر مشى نحو قاعة الاستقبال، فوجئ بوالدته تنتظره في قاعة المسافرين القادمين اختطفته وقد بدا البؤس والحزن على وجهها، سألها ما القصة يا أمي؟ في البيت سوف تعرف كل شيء قالت له، هيا لقد حجزت سيارة أجرة لنا ولا أظن أن نقاشنا سوف يكون مفيداً لك الآن هيا بنا. في سيارة الأجرة حاول طلال مرة ثانية أن تخبره والدته بالموضوع المهم الذي رجع من أجله أو البالغ الخطورة ولكنها تجاهلت هذا السؤال، إلا أنها وضعت ورقة مطوية في جيب قميصه وهو في حالة شرود يفكر في أخويه أو أخته أن أصابهم مكروه أو شيء اخفوه عنه، وعند باب البيت كانت عجلات سيارة الأجرة قد توقفت نزل منها طلال وهو على عجل ولكنه تذكر ان لصاحب سيارة الأجرة حق مادي، ابتسمت والدته التي كانت واقفة بجانبه وقالت له - لا تفكر بدفع مستحق صاحب التاكسي لقد دفعته مسبقاً، أنهم ينتظرونك داخل البيت فقط أذهب. - رفع يديه وهو قيد التشتت في فكره لا يعرف ماذا يقول، دخل البيت على عجل وهو ينفخ كالذئب الضال، فوجئ بجمع غفير قد توزعوا في صالة البيت وبان في وجوههم الحزن الذي التف عليهم، رأي أخويه وأخته بين الحضور، نهض اليه والده بسرعة وأمسك بيده وسحبه الى زاوية الصالة، ولما جلسا، نظر والده في وجهه لعدة ثوان ثم قال له - أنا أدرك مدى حبك لنا جميعاً ولكن قاطعه طلال قائلاً - أبي.. أنك تحرق أعصابي، ماذا حدث؟ لقد طلبتم مني أن أحضر بأقصى سرعة وها انذا بينكم أخبرني أرجوك يا أبي ما هو الموضوع المهم؟ - أمك توفت قال له - دارت بطلال الدنيا ولم تقعد - كيف قال - أمس في الساعة الثانية عشرة ظهراً وقع لها حادث وهي في سيارتها واحترقت السيارة وهي بداخلها، نظر اليه طلال والتفت ناحية الباب، وهو ينتظر دخول والدته التي استقبلته في المطار ولم ينطق بحرف واحد سوى أن لون وجهه قد تحول الى اللون الأحمر. رفع رأسه ورأى أخويه وأخته قد أحاطوه واقفين، نهض مسرعاً متجهاً الى باب البيت وهو يتمتم لم يعرف أحد منهم ماذا قال وهو خارج البيت بعد اندفاعه من داخله رأى خطيبته هند واقفة، حرك نظراته قليلاً فرأى شنطة سفره موضوعة بالقرب من قدميها، تقدم اليها مسرعاً وأمسكها من كتفيها وهزها بقوة يصرخ سائلاً: - أين أمي؟ - كانت دموع هند قد غلبتها وسالت على خديها دون أن تنطق بحرف واحد سوى أنها كانت تضغط على شفاهها وقد اصفر وجهها وهي تنظر الى عائلته الواقفة خلفه، أعاد سؤاله لها بلهجة احتوت على نوع من التهديد المبطن. - أين أمي يا هند؟ هذه آخر مرة أسألك هذا السؤال؟ - هزت رأسها وهي لا تعرف بماذا تجيبه سوى أن بكاءها قد زاد ثم قالت له: - لقد توفيت ألم يخبروك؟ - قال وهو ينظر في عينيها.. - لقد كانت معي في سيارة الأجرة وهي التي استقبلتني في المطار.. ماذ تقولين يا هند؟ - نفت هند هذه المعلومة واخبرته أنها هي التي استقبلته وليست والدته - لا لا لا لا لا هذا غير معقول يا هند، كلكم تكذبون عليّ.. - التفت خلفه، وإذا به يرى جميع أفراد عائلته ينظرون اليه صامتين، نادته هند مؤكدة بقولها.. - أنا التي استقبلتك في المطار.. لا أكذب عليك - تقدم لها طلال خطوتين وبهدوء قال لها مؤكداً: - لست أنت، تكذبين.. أمي هي التي كانت معي وليس أنت.. وأنا لم أجن بعد وهو يشير الى رأسه بيده.. - قالت له: - لقد وضعت في جيبك ورقة، في هذا الجيب وهي تشير الى جيب قميصه، ولما أخرج طلال الورقة سألها هذه الورقة؟ - نعم قالت له.. لقد كتبت لك فيها أحبك للأبد.. ولما فتح الورقة قرأ هذه الجملة أحبك للأبد.
مشاركة :