أحبك للأبد.. أكرهك للأبد

  • 12/2/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

صديقة لي أحبّت رجلاً شهماً بعد زمنٍ من انفصَالها عن رجلٍ أذاقها مُرّ التَّسلط والعنفِ اللفظي والجسدي.. على فنجانِ قهوةٍ اجتمعنا، قالت: "الانتقالُ من شريكٍ سيئ إلى شريكٍ طيب يشبهُ الانتقالَ من الظلامِ الدامس إلى النورِ الساطع، في المرحلةِ الانتقالية يصابُ الإنسان بعمى آني! لا أستطيع البدء معه من الصفر كيف أصفِّر عداد قلبي؟ أي حزنٍ جديدٍ يستدعي تراكماً سيئاً ما.. فأي تصرف مقلقٍ هو ناقوسُ خطرٍ سبَّبَه تراكم لا جملَ له فيه ولا ناقة!".. سكتت. ليتنا ندخلُ الحب من غيرِ أحمال الماضي، مثقلونَ نحنُ بإرث من القلوبِ المحطّمةِ بَثت فينا حُزنها فتبنينَاه كأنه لنا بأحمالِ أصدقائنا العاطفية، شبكنَا أيدينا بأيديهم حتى توحَّدنا معهم، تبنينا أوجاعَ تجاربهم كأنها لنا، ربينَاها حتى كبرت غولاً ينهشُنا. مثقلون نحن بتجاربَ علَّمتنا ورقَّتنا روحياً، لكنَّها تركت فِينا علامةً.. ندبة في القلب، ليتنا نتطهَّرُ من إثم من جَرَحَنا.. حملَ وزر مظلمتنا وحمَّلنا ثِقَل التجربة. ليت القلوبُ تغسَل.. أسوأ ما أكسبنا الزمن هو الخوفُ والشك، أسوأ ما حمّلنا بِه هو التَّردد، هوَ انعدامُ القدرةِ على أن تقفز بعفويةٍ من المرتفعاتِ إلى البحر دونَ أن تفكِّر كل الوقتِ بالاحتمالاتِ الكثيرة لأن تنقطعَ قفزتكَ إلى البحرِ بصخرة لم تنتبِه لوجودَها، أو أن تكونَ أخطأتَ حسابَ قوَّةِ اندفاعِ الجسدِ عند القفزةِ فترتدَّ إلى الصخورِ لتنهشَ من جسدِك قبل أن ترميكَ للبحرِ جثة. أو أن تكون القفزةَ موفقة؛ لتستقبلكَ تحت البحرِ صخرة لا مجالَ لرؤيتها ما لم نغطس، أو أن يتوقَّف القلب ذعراً، أو أن لا يستقبلكَ البحر بالحفاوةِ التي تخيَّلتها وأنت في الأعلى. ليتنا ندخلُ الحُبَّ بقلبِ الـ14 عاماً، بسذاجته ذاتها.. بيقِينه ذاته، بقدرتِه ذاتها على القفزِ من أعلى صخرةٍ إلى عمق البحر مستمتعاً بكلِّ لحظة. "ليتَ ههنا حاضرٌ لا يلامسه الأمس" كما يقول محمود درويش. هل كنا لننجو؟ كنا سننجو من الألمِ.. نعم، لكن ما كُنّا لنكون نحن! يقولُ جلال الدِّين الرُّومي: "لا تجزَع من جرحِك وإلا فكيف للنور أن يتسلَّل إلى داخِلك"، الإنسان هو نتاجُ تجارِبه، هناك الحدثُ، وهناك زاويةُ النظرِ إلى الحدث. مَثلُ الوجع في القلب كضربة معولِ الفلاَّح تغوصُ في التربة لتحييها، ما كنتَ أنت لتكونَ أنت لولا أن ليَّنَتك المصاعب فجَعلتك إنساناً. أنتَ ما آلمك! التجاربُ الإنسانية التي عشناهَا مع أنفسِنا أو أحِبتنا على ألمها هي جولةٌ سياحيَّة في أعماقِ الإنسان الواسعة، بعيداً عن خدر الوجعِ، الحُبّ يكشف ضعفنا وهشاشتنا مزيلاً كل أقنعتنا، كل ما مَررنا به بعيداً عن شخصنةِ التجربة هو قصةٌ لإنسان كان أفضل ما يمكن أن يكونَ ضمنَ حدودِ معرفته واستطاعته. على قسوتِه أو نذالتِه، على كرمِه أو تخاذِله على تمسُّكه أو تخلِّيه، كان أفضل ما يمكن أن يكون ضمن حدودِ وعيه بذاتِه. لنسامح إذاً.. جزءٌ من الوفاء أن نفِي اللحظةَ الجميلة مؤثرين إياها -اختياراً- على الكثيرِ من اللحظاتِ المؤلمة.. أن نمتلكَ ذاكرةً انتقائية في القصصِ التي تمرُّ بنا سواءً التي كُنَّا أبطالها أو التي كُنَّا فيها: صديقَ البطل، ذاكرةً انتقائيةً نختارُ فيها ما يطفو على سطحِ الذّاكِرة وما نخفيه بوعيٍ تام. لا يعني كلامِي أن نتحَّول بإرادتنا إلى سُذّج، لكن أن نرى الموقفَ كما هو لنتصرفَ بحسب المعطيات، حتى إذا ما مرَّت المرحلة، اخترنا من الذكرياتِ أجملها، ومن الدّروسِ أهمها؛ لنقل: من أجل لحظةٍ جميلة أسامحك أنا، على قدرِ ما آلمتني، أحوِّل الألم في معملِي الدَّاخلي إلى معرفة بالإنسان، هذا المخلوقُ العجيب الذي لا يملك من نفسه إلا الآن وهنا، ولا يوقِفُه ذلك على أن يعد بالأبد. أحبك للأبد، والأبدُ لحظة! وأكرهك للأبد، وأبدي لحظة، أكبر بعدها لأنظر إلى نفسِي السابقة معك فأقيّمها بعدلٍ.. وبِرحمة، وأرحلُ عنك في ذكرياتي. مضَت صديقتي. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :