لم تكن الرصاصة التي أطلقتها يد الظلام في 18 مايو 1987، تعلم أنها انتهكت جسداً وعقلاً مفكراً رصيناً مبدعاً متميزاً، كان مهدي عامل إنساناً مسالماً ذا نزعة إنسانية، لكن عقله كان السلاح الأمضى الذي أرهب الظلاميين وأرعبهم. مهدي عامل صاحب مقولة «لست مهزوماً ما دمت تقاوم»، ومقولة «كيف تكون الثورة نظيفة وهي تخرج من أحشاء الحاضر متسخة به وتهدمه وتغتسل بوعد أن الإنسان جميل حر؟»، كان صاحب فكر ورؤية عميقين، وكان مفكراً عربياً حقيقياً ينطلق من واقعه الملموس، ليصيغ رؤيته الفكرية انطلاقاً واسترشاداً بالنظرية الماركسية، كما كان منتجاً للمعرفة والمصطلح والمفهوم، لا ينقلها أو يرددها أو يأخذها كمسلمات. حمل سلاح الفكر والفلسفة العلمية، ونشر هذا الفكر في كثير من المؤلفات التي يمكن اعتبارها مراجع، تصلح لوعي الواقع من أجل تغييره، كانت للشهيد مهدي رؤية حول الثقافة التي لم تعد حكراً على النخب، حيث يقول في إحدى محاضراته:«على المثقف كي يكون كذلك، أن يكون بأدوات إنتاجه الفكري كادحاً... ليست الثقافة كتابة، وإن كانت الكتابة من أركانها، إنها تملّك للعالم في حلم أو حقل أو مصنع، أما المثقفون فهم المنتجون بأيديهم وأدمغتهم ضد أنظمة القمع والاستغلال والجهالة، فكراً فناً وجمالاً هو حب للحياة، وأما غير المنتجين القابعين في قبحهم، فهم الأسياد بأنظمتهم، وأما هدم الأنظمة فهو مهمة الثورة في كل آن». أعاد الشهيد مهدي عامل المفكر اليساري، الاعتبار للعقل المفكر والمنتج، ولملامسته للواقع، ولدوره في التقدم أو الثورة على الآن وكل آن، وبالنسبة له:«هكذا يكتسب كل نشاط نظري طابعاً نضالياً، ويتوق كل نشاط ثوري إلى التعقلن في النظرية، فتتأكد بالتحام النشاطين في الملموس التاريخي، ضرورة الفكر العلمي في أن يكون ثورياً، وضرورة الحركة الثورية في أن تكون علمية». إن كل تاريخ البشرية يثبت بما لا يدع مجالا للشك، بأن للفكر والثقافة أعداء من قوى ظلامية وفاشية واستبدادية، بل تجد أن الفكر أحد أخطر الأسلحة التي تهدد وجودها ومستقبلها، ولذا فالفكرة والكلمة هما سلاحان أقوى من الرصاص، ولأن قوى الظلام لاتستطيع مقارعة الفكر المستنير، فهي تغتال صاحبه. الهستيريا التي انتابت قوى الظلام، جراء سلاح الفكر والعلم سواء في أوروبا أوالعصور الوسطى وحتى القرن الثاني أو في بلدان الشرق عبر التاريخ، علقت المشانق واغتالت مفكرين وفلاسفة مثل حسين مروة ومهدي عامل وغيرهم الكثير، وهذا يعلمنا أن القوة الحقيقية تكمن في العقل لا في السلاح الناري أو العضلات. وليد الرجيب osbohatw@gmail.com
مشاركة :