شهدت الأدبيات التسويقية، خلال السنوات الأخيرة، تحولًا جوهريًا؛ إذ تم الانزياح عن ذاك التقيد الحرفي بالمفاهيم التسويقية، لصالح الاستجابة لمعطيات وظروف بيئية واجتماعية محددة، وقد يكون تنامي الحديث عن المسؤولية الاجتماعية في التسويق أحد تجليات هذا التحول. ولعل ما دفع باتجاه هذا التحول البنيوي هو الاستجابة للظواهر الاجتماعية والبيئية الراهنة التي عاصرت القرن الحادي والعشرين، ومن بين هذه الظواهر: الاحتباس الحراري، التغير المناخي.. إلخ. لم تعمل هذه الظروف المختلفة على ابتكار مفاهيم تسويقية جديدة فحسب، وإنما تغير جوهر التسويق في حد ذاته؛ فالهدف الأسمى، في الوقت الحالي، هو الاستدامة سواء كانت استدامة الشركات، العملاء، المنتجات، الموارد. بمعنى أن مفهوم الاستدامة بات هو الهدف الأساسي؛ نظرًا لتعرض كل شيء للتآكل والاضمحلال. اقرأ أيضًا: الصورة الذهنية للشركات.. وسيلة فعّالة لجذب المستهلكينالتسويق المجتمعي أو “Societal Marketing” يمكننا الدخول إلى المسؤولية الاجتماعية في التسويق عبر هذا المفهوم (الحديث نسبيًا) أي التسويق المجتمعي، وهو ذاك الذي يعني حفاظ الشركة على البيئة والمجتمع خلال تسويقها لمنتجاتها، ليس هذا فحسب، بل أن تضع استراتيجيات خاصة بهذه الاستراتيجية التسويقية. ولعل المثال الظاهر على ذلك هو ما فعلته شركة “ماكدونالدز” عندما قررت عدم تغليف منتجاتها وما تقدمه من أطعمة في أغلفة بلاستيكية واستخدمت بدلًا منها أدوات صحية أكثر، وإنما هدفت الشركة من هذا التصرف إلى تحقيق أمرين؛ الأول: هو الحفاظ على صحة عملائها؛ فالمواد البلاستيكية تسبب لهم ضررًا صحيًا ما، أما الأمر الثاني: فهو ذاك المتعلق بالحفاظ على البيئة من هذه المنتجات البلاستيكة. لكن السؤال هنا: ما جدوى قيام “ماكدونالدز” بهذا التصرف؟ وما هي أصلًا جدوي الالتزام بمبادئ المسؤولية الاجتماعية في التسويق؟ هناك الكثير من الأسباب التسويقية التي تسعى الشركة إلى تحقيقها من جراء هذه الطريقة؛ من بينها: العمل على جذب العملاء إليها عن طريق التزامها بحدود ومعايير المسؤولية الاجتماعية؛ فالعميل الواعي بالمخاطر الجمة التي تعاني منها البيئة سيسعى إلى التعامل مع الشركة التي تحافظ على هذه البيئة. إن التزام الشركة، أثناء أداء مهامها التسويقية المختلفة، بالمسؤولية الاجتماعية، وتبنيها بعض القضايا المجتمعة يمكن تسميته أو الاصطلاح على تسميته “التسويق بالقضايا“؛ فكلما كانت الشركة أكثر التزامًا بقضايا تحاور وتخاطب أكبر شريحة من المجتمع كانت أنجح في تحقيق أهدافها ومبتغياتها التسويقية. اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية.. الاستثمار الخفي للشركاتعولمة السوق والصورة الذهنية للشركات ليس التسويق المجتمعي وما ينطوي عليه من مكاسب الدافع فقط إلى أداء الشركات دورًا اجتماعيًا ما، وإنما تحاول الشركة، عبر أداء أدوار اجتماعية متنوعة، العمل على تحسين صورتها الذهنية لدى عملائها المستهدفين، ومجتمعها المحيط. وإنما ينبع هذا الوعي من إدراك القائمين على هذه الشركات من وجود منافسة محمومة وشرسة، ومن ثم يتعين انتهاج طريق مغاير؛ لتحسين صورتها الذهنية في هذا السوق الذي تعمل فيه. وقد يكون هذا الطريق هو المسؤولية الاجتماعية؛ فبقدر ما تقدم الشركة خدمات للمجتمع، وبقدر التزامها بمسؤولياتها المختلفة يكون نجاحها، واستدامة أرباحها، وهو غاية كل استثمار. اقرأ أيضًا: التسويق الأخضر.. طوق نجاة القرن 21!
مشاركة :