سيطرة الإخوان على مراكز النفوذ المالي في ليبيا وراء محاولة تغليبهم في المسار السياسي

  • 2/29/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا تزال بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا في مهب التشكيك، وتواجه اتهامات عديدة على رأسها الانحياز المفضوح لطرف النزاع المعزول في طرابلس ومحاولة تغليبه على الطرف المقابل من خلال مسارات جنيف المنبثقة عن مؤتمر برلين، في إعادة مشبوهة لسيناريو الصخيرات الذي خضع اتفاقه الصادر في ديسمبر 2015 إلى مساومات وتدخلات من أطراف عدة، منها ما كان ظاهرا، ومنها ما كان ولا يزال خفيا يشارك في شد حبال الأزمة نحو فرض جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها من قوى الإسلام السياسي، لأسباب عقائدية وسياسية وإستراتيجية، وخاصة اقتصادية تتمحور حول مخطط الاستيلاء على مقدرات البلاد، والسيطرة على قرارها الوطني في ما يتعلق بالنفط والغاز وبقية الثروات، وبصفقات إعادة الإعمار التي تحاول جهات مختلفة إدارتها من تحت طاولة الجماعات واللوبيات والمصالح الشخصية والحزبية وخارج إطار السيادة الوطنية. بكثير من البراغماتية يستفيد إخوان ليبيا من الأطماع الخارجية في بلادهم، والمصالح المعلنة والخفية، خاصة من قبل بعض الدول الغربية والشركات متعددة الجنسيات، فيقدمون أنفسهم على أنهم الأقدر على ضمان تلك المصالح، وهو ما أثبتوه من خلال استجدائهم للتدخل الخارجي، ولو عبر إنشاء القواعد الأجنبية في بلادهم كما دعا إلى ذلك وزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا المعروف بقربه من الإخوان عندما طالب واشنطن بإنشاء قاعدة في ليبيا. في هذا الخضم بات واضحا أن البعثة الأممية تعمل بكل جهدها لتأكيد الحضور الإخواني في مستقبل ليبيا، ولا أحد يعرف من يدفع بها إلى ذلك، ولكن الشركات الكبرى المؤثرة في سياسات الغرب، لا تزال تناور من أجل فرض الجماعة في عدد من الدول العربية ضمن صفقات تبادلية، أساسها التمكين السياسي مقابل خدمة المصالح تحت غطاء الحيز المسموح به من الفساد الكبير في الاقتصادات الليبرالية الغربية، بينما هو يتجاوز ذلك بكثير ليصل إلى حدّ الإهدار المتعمد لمقدرات البلاد. أهدرت مؤسسات الدولة الليبية تحت حكم الإخوان ما بين العامين 2012 و2018 حوالي 225 مليار دولار، دون أن يكون لها أي أثر تنموي أو خدماتي، أو حتى توفير السيولة والتحكم في الأسعار، إضافة إلى التلاعب بالاستثمارات الخارجية وبالأموال المجمدة وغيرها، علما وأن ليبيا ليست عليها أي ديون خارجية مُوجبة الدفع. ظهرت بالمقابل طبقة اقتصادية جديدة من رموز الإسلام السياسي وأمراء الحرب وقادة الميليشيات، وممن يدورون في فلك الإخوان، ولعل أبرز نموذج لهذه الطبقة هو عبدالحكيم بالحاج الذي بلغت ثروته عام 2017، وفق تقارير مخابراتية فرنسية، إلى ملياري دولار، يتولى استثمارها في دول عدة على رأسها تركيا. ووفق منظمة الشفافية الدولية تعتبر ليبيا من بين الدول العشر الأكثر فسادا في العالم، ولم يكن غريبا أن تكون في ذيل القائمة مع دول أخرى محكومة بميليشيات إسلامية كالعراق واليمن والصومال والسودان الذي لا يزال عالقا في وحل نظام عمر حسن البشير. ومن هذا المنطلق تعتبر ثروة ليبيا المهدورة أو المطموع فيها، أحد أبرز محركات السياسة الدولية نحوها، خصوصا ضمن استعداد الإخوان الدائم لتقاسمها مع من يوفر لهم فرص التمكين، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول طبيعة دور الأمم المتحدة في ذلك، وكذلك حول الإصرار الدولي على إدارة مؤسسات الدولة من قبل شخصيات بعينها، أهم مميزاتها ارتباطها بالجماعة، ومنها محافظ المصرف المركزي الصدّيق عمر الكبيّر، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله. تحوّل مصرف ليبيا المركزي إلى بؤرة إخوانية على يد محافظه الذي كان من المفروض أن ولايته انتهت عام 2014، ولكنّ استقواءه بالجماعة جعله فوق السلطات التشريعية والتنفيذية وحتى المواقف الدولية، بعد أن عمل على التمكين للإخوان داخل المؤسسة من خلال عدد من عناصرها مثل فتحي يعقوب الذي يتولى أمانة سر المصرف، وصولا إلى مراقب عام الجماعة سليمان عبدالقادر الذي يحمل الجنسية السويسرية، وهو مهندس ميكانيك كلفه الكبير بإدارة معهد الدراسات المصرفية في طرابلس، وهو كيان يتمتع بصفة مالية مستقلة ومن بين اختصاصاته التدريب على رسم السياسات المصرفية للمصارف حيث يقوم بتدريب العشرات من الكوادر من موظفي مختلف المصارف العاملة بالدولة، فيما أكدت تقارير إعلامية أن عبدالقادر جعل من المعهد بؤرة لتدريب الجيل الشاب من الإخوان لتأهيلهم على التغلغل في مختلف مفاصل القطاع المصرفي، وهو الهدف القديم الجديد للجماعة التي تتهمُ بأنها تسعى إلى تحويل ليبيا لبيت مال إقليمي للتنظيم الدولي للإخوان في ليبيا. وكان موقع “أفريكا إنتلجنس” نشر مؤخرا تقريرا تحت عنوان “تصارع واشنطن مع الدوحة وأنقرة للسيطرة على مصرف ليبيا المركزي” أشار فيه إلى دور الكبيّر المدعوم من قطر وتركيا في التمكين لجماعة الإخوان بالمصرف، وقال إن توحيد المصرفين المركزيين الليبيين (في طرابلس والبيضاء) يمثل أولوية بالنسبة لواشنطن، التي بذلت كل ما في وسعها منذ سبتمبر الماضي للإطاحة بمحافظ مصرف ليبيا المركزي القوي الصديق الكبيّر، لكن الأخير ووفقا للتقرير ذاته ظل متمسكا بمنصبه منذ نهاية ولايته الرسمية في عام 2014 ولديه مؤيدون في الدوحة وأنقرة، حيث و”بدعم من قطر وتركيا، نجح الكبيّر في جعل نفسه رجلا يحسب حسابه، المصرف هو مركز العصب المالي في البلاد، لديه ثلاث وظائف إستراتيجية وهي استقبال وإعادة توزيع عائدات النفط من مؤسسة النفط، التحقق من صحة خطابات الاعتماد اللازمة للاستيراد؛ إدارة احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية، لكن وجود الكبير قد أغضب الولايات المتحدة أخيرا، التي تعتبره عقبة أمام تسوية النزاع الليبي واستعادة النظام بين المؤسسات المالية في البلاد. اعتبارا من الآن، تعتبر واشنطن إقالته أولوية”. وأكد التقرير اعتماد الكبيّر على الميليشيات لتوفير الحماية لمصرفه واعتمد، على وجه الخصوص، على دعم ما وصفه الموقع بـ”ميليشيا الردع القوية” بقيادة عبدالرؤوف كارة، لكن حليفه الأقوى يبقى جماعة الإخوان، الداعم الرئيسي للحكومة في طرابلس التي تسللت الجماعة إلى وزاراتها. الأمر ذاته ينسحب على المؤسسة الوطنية للنفط التي باتت تحت حكم الإخوان من خلال رئيسها مصطفى صنع الله، وفي هذا السياق يقول مصطفى الزائدي، أمين اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية الشعبية الليبية، إن ثروة النفط الليبية تديرها جماعة الإخوان عبر ممثلها في مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، مشيرا إلى أن أموال ومدخرات تلك الثروة تذهب للميليشيات ودعم الإرهاب. تم تعيين صنع الله رئيسا للمؤسسة ووزيرا للنفط بالنيابة في أغسطس 2014 في ظل انقلاب فجر ليبيا على انتخابات البرلمان، واحتلالها مؤسسات الدولة بالعاصمة، ليتولى بعد ذلك الاعتماد على الإخوان والمستشارين الأجانب المقربين منهم في إدارته شؤون الثروة النفطية، ما انتهى إلى غلق الحقول والموانئ منذ 17 يناير الماضي من قبل القبائل والفعاليات الاجتماعية الموالية للجيش. ثروة النفط الليبية تديرها جماعة الإخوان المسلمين، وتذهب أموال ومدخرات تلك الثروة للميليشيات ودعم الإرهاب ولعل أبرز ما يمكن ملاحظته أن المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط يخضعان لذلك التحالف بين تيارين متداخلين، هما تيار الإسلام السياسي والتيار الجهوي بمصراتة، وكلاهما مرتبط بالمصالح التركية القطرية، وبلوبيات الفساد في عدد من عواصم الغرب. ويشير المراقبون إلى أن مسألة الثروة تقف بهذا الشكل كأهم حاجز في وجه الحل السياسي نظرا لمصالح المتداخلين في القضية، خصوصا وأن الدافع الأول للجيش الوطني في عملية “طوفان الكرامة” التي أطلقها في 4 أبريل 2019 هو الدفاع عن مؤسسات الدولة وتحصين مقدرات الدولة من دواعش المال العام، سواء من جماعة الإخوان أو من أمراء الحرب. لقد سعت البعثة الأممية إلى تنظيم حوار جنيف بترجيح كفة الإخوان، أولا من حيث المساواة في عدد المشاركين بين مجلس النواب المنتخب السلطة التشريعية المعترف بها دوليا، ومجلس الدولة الاستشاري الإخواني المنحدر من صلب المؤتمر العام المنتهية ولايته منذ 2014، ثم من خلال تقليص نصيب البرلمان من 13 ممثلا إلى 8 فقط، بهدف إعطاء 5 مقاعد للنواب المنشقين وهم من الإخوان أو الدائرين في فلكهم، وتخصيص عدد من مقاعد المستقلين للمقربين من الإخوان، ليصبح المسار السياسي مسرحا إخوانيا بالدرجة الأولى. كل المؤشرات تدل على أن مخرجات برلين في طريقها إلى الفشل، فالسعي إلى تغليب الإخوان في أي مسار للحوار لن يصل إلى نتيجة تذكر، وطموح الجماعة للاستمرار في الهيمنة على مراكز النفوذ المالي ومفاصل مؤسسات الثروة السيادية لن يحقق أهدافه، ولعل في استمرار غلق الحقول والموانئ النفطية رسالة واضحة قرأها العالم بتمعن، ولا تزال البعثة الأممية تحاول فك رموزها.

مشاركة :