حذرت روسيا تركيا، أمس، إزاء التوتر المفاجئ في شمال غرب سوريا، غداة مقتل 33 جندياً تركياً «كانوا ضمن مجموعات إرهابية» في غارة جوية على إدلب ما أثار مخاوف من خطر التصعيد العسكري. وأكدت موسكو على ضرورة بذل أنقرة كل ما في وسعها لحماية الرعايا الروس والمنشآت الدبلوماسية لديها، فيما أكدت وزارة الدفاع الروسية أنها أرسلت إلى البحر المتوسط فرقاطتين عبر مضيق البوسفور لتعزيز أسطولها قبالة الساحل السوري. وأعلنت أنقرة، مساء أمس الأول، مقتل 33 جندياً تركياً في غارة شنتها القوات الحكومية السورية في منطقة إدلب شمال غرب سوريا، في أفدح خسائر في هجوم واحد منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا عام 2016. لكن موسكو، حليفة الحكومة السورية، أكدت أن الجنود الأتراك، الذين استهدفهم قصف القوات السورية، كانوا ضمن «وحدات مقاتلة من مجموعات إرهابية». وبمقتل الجنود الأتراك وإصابة 32 آخرين أمس الأول، بحسب إعلان حاكم إقليم خطاء المتاخم لسوريا، يرتفع عدد القتلى في صفوف الجيش التركي في المنطقة إلى 54 خلال الشهر الجاري. وتشن قوات الجيش السوري بدعم من الطيران الروسي منذ ديسمبر هجوماً واسع النطاق لاستعادة إدلب، آخر معقل للميليشيات المسلحة ومتطرفين في سوريا. وقالت وزارة الدفاع الروسية: «إن عسكريين أتراكاً كانوا في عداد وحدات مقاتلة من مجموعات إرهابية تعرضت لنيران جنود سوريين» في محافظة إدلب. وأشارت إلى أن الجانب التركي لم يبلغ عن وجود قوات له في المنطقة المعنية، وأنه «لم يكن يفترض أن تتواجد هناك». وتُضعف هذه الحلقة الأخيرة من التصعيد بين البلدين، الاتفاقات الروسية التركية التي كان يُفترض أن تحقق السلام في سوريا. وبموجب الاتفاقات الروسية- التركية يُفترض أن تبلغ القوات التركية الموجودة في إدلب، روسيا بمواقعها بهدف تجنب حوادث مسلحة. لكن تركيا سارعت إلى رفض التفسير الروسي. وأقامت أنقرة في إطار الاتفاقات 12 نقطة مراقبة في إدلب. وقال الكرملين: «إن الرئيس فلاديمير بوتين اجتمع بمجلس الأمن الروسي، أمس، لمناقشة الوضع في سوريا، وأكد أنه لا ينبغي نشر القوات التركية خارج مراكز المراقبة». وأية عملية عسكرية تركية واسعة النطاق في منطقة إدلب السورية ستكون نهايتها سيئة لأنقرة نفسها، بحسب تحذير النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية بالمجلس الأعلى في البرلمان الروسي فلاديمير زباروف، أمس. وقالت روسيا: «إنها أرسلت سفينتين حربيتين مزودتين بصواريخ موجهة (كروز) إلى مياه البحر المتوسط قبالة الساحل السوري». وكونها دولة مطلة على البحر الأسود، ترتبط روسيا باتفاقية «مونترو» الموقعة في 1936، التي تضمن حرية مرور سفنها الحربية في مضيقي البوسفور والدردنيل. وبموجب الاتفاقية، فإن أنقرة مرغمة على السماح بمرور السفن الحربية الروسية، ما لم تكن تركيا متورطة في نزاع أو «تعتبر نفسها مهددة بخطر حرب وشيكة». وفي هذه الأثناء، قصفت تركيا جواً وبراً قوات الجيش السوري في إدلب، طوال ساعات ليلة أمس الأول، إثر مقتل الجنود الأتراك، وهو ما أسفر عن مقتل 20 شخصاً من قوات الجيش السوري، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. إلى ذلك، عبّر الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، أمس في اتصال هاتفي، عن «قلقهما» إزاء التصعيد. وبحسب الكرملين قرر الرئيسان دراسة «احتمال عقد قمة قريباً». وطالبت أنقرة بوقف فوري لإطلاق النار. دعوة أممية لوقف فوري لإطلاق النار عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، أمس، عن «قلق بالغ» إزاء تصعيد القتال في شمال غرب سوريا، وجدد دعوته إلى وقف إطلاق النار. وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة في بيان: «يتابع الأمين العام بقلق بالغ التصعيد في شمال غرب سوريا، ومقتل عشرات الجنود الأتراك في ضربة جوية». وأضاف: «يجدد الأمين العام دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار ويعبر عن قلقه على نحو خاص إزاء خطر تصعيد التحركات العسكرية على المدنيين». ومن جانبه، أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أمس، أن الاتحاد الأوروبي قلق من «مخاطر مواجهة عسكرية دولية كبرى» في سوريا وسيتخذ «كل الإجراءات اللازمة لحماية مصالحه في مجال الأمن». وكتب في تغريدة على «تويتر»: «من الضروري وقف التصعيد الحالي، وهناك خطر انزلاق إلى مواجهة عسكرية دولية مفتوحة كبرى». خيارات أردوغان تتضاءل تتضاءل الخيارات المتاحة أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يشعر، بحسب مسؤولين في الحكومة التركية ومصادر أخرى، بصدمة من تقدم روسيا في منطقة إدلب السورية، وزيادة مخاطر اندلاع صراع شامل، لكنه لا يزال يأمل في التوصل لاتفاق مع موسكو قد يتيح مجالاً للخروج من الأزمة. وحذر أردوغان مراراً من أن تركيا التي تدعم مقاتلين من المعارضة المسلحة في المحافظة الواقعة بشمال غرب سوريا، ستطرد قوات الجيش السوري من المناطق التي سيطرت عليها في الأشهر الماضية إذا لم تنسحب بنهاية فبراير الجاري. لكن مع اقتراب الموعد النهائي الذي يحل اليوم السبت، استمر الهجوم السوري المدعوم من روسيا، وواصل مكاسبه على الأرض، ومن غير المتوقع أن تسفر جولة محادثات ثالثة بين أنقرة وموسكو الأسبوع الجاري عن تحقيق انفراجة سريعة. ويرى مسؤولون حكوميون ودبلوماسيون ومحللون أن أردوغان، وفي ظل التفوق الجوي الروسي في إدلب، سيختار على الأرجح إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع بوتين يضطر بموجبه إلى التراجع عن تهديده المتكرر بشن هجوم جديد، لكنه سيحفظ ماء وجهه بالفوز بدور في إدارة أزمة المهاجرين. وأوضحوا أن أردوغان فوجئ بالموقف المتعنت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفقاً لوجهة النظر التركية، سواء في ساحة القتال أو في المحادثات بين البلدين. وتحاصر قوات الحكومة السورية مئات آخرين من الجنود الأتراك الموجودين في مواقع المراقبة بعد اجتياحها إدلب تحت غطاء ضربات جوية روسية مكثفة. واحتدم القتال في الأيام الماضية، وقال التلفزيون الرسمي الروسي مساء أمس الأول: «إن عسكريين أتراكاً في إدلب يستخدمون صواريخ محمولة على الكتف في محاولة لإسقاط طائرات حربية روسية وسورية». ولم تعلق أنقرة علناً بعد على ذلك. نقاش أميركي روسي يتناول سوريا نقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن وزارة الدفاع الروسية قولها: «إن رئيسي أركان القوات الروسية والأميركية ناقشا هاتفياً قضية سوريا، أمس، وسط تصاعد التوتر بشأن محافظة إدلب». وطالبت الولايات المتحدة الجيش السوري وحليفته روسيا بإنهاء هجومهما في إدلب، بعد مقتل الجنود الأتراك في غارات جوية. وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في اتصال هاتفي مع نظيره التركي، على ضرورة أن توقف الحكومة السورية وروسيا الهجمات في شمال غرب سوريا. «الناتو» يتضامن مع تركيا دون تعهّدات أعرب حلف شمال الأطلسي «الناتو»، أمس، عن تضامنه مع أنقرة، بعد مقتل 33 جندياً تركياً على الأقل في سوريا، لكن من دون أن يقدم تعهدات بأي إجراءات جديدة ملموسة للدفاع عن القوات التركية، فيما أكد دبلوماسيون قرار مجلس الأمن الدولي عقد اجتماع طارئ، فجر اليوم السبت، لمناقشة التصعيد الأخير في سوريا. وعقد مجلس «الناتو» محادثات طارئة بطلب من تركيا العضو في الحلف، بعدما تسببت غارة جوية في إدلب نُسبت إلى دمشق برفع منسوب التوتر. وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ: «إن الحلفاء وافقوا على المحافظة على الإجراءات القائمة حالياً، لتعزيز قدرات تركيا الدفاعية الجوية». لكنه لم يلمّح إلى أي خطوات جديدة تتجاوز التعهّد، بشكل عام، بالبحث فيما يمكن القيام به أكثر من ذلك. بدوره، دعا متحدث باسم الرئاسة التركية في وقت سابق إلى إقامة منطقة حظر جوّي لحماية المدنيين في إدلب، حيث تحاول قوات الجيش السوري استعادة آخر معقل لفصائل المعارضة. إلى ذلك، قال الرئيس الدوري لمجلس الأمن السفير البلجيكي، مارك بيكستين دي بويتسفيرف، لعدد من الصحافيين: «إن اجتماع المجلس يأتي بطلب من الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإستونيا وجمهورية الدومينيكان». ومن جانبها، دعت فرنسا كلاً من روسيا والحكومة السورية، أمس، إلى إنهاء هجومهما في شمال غرب سوريا، وقالت: «إن أوروبا مستعدة لزيادة دعمها لتركيا في التعامل مع اللاجئين السوريين».
مشاركة :