عاقلٌ بين المجانين

  • 2/29/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

وحشية الشيوعية معروفة، وقد ارتكب الاتحاد السوفيتي أهوالاً في حق عشرات الملايين من الناس حول العالم، لم يسلم منهم أحد، خاصة مواطنيهم، منهم فاليري تارسيس، وهو كاتب وضع رواية ينتقد فيها الدولة الظالمة، وطبعاً لا يمكنه نشرها داخلها فهرّبها للخارج وهي رواية «الزجاجة الزرقاء»، وما أن عرفوا بذلك حتى أودعوه مستشفى المجانين، وهي طريقة لسجنه بالإضافة لتشويه سمعته، فماذا اعتقد طاقم المستشفى؟، لو أن شخصاً واضح العقل والذكاء دخل مكاناً كهذا فهل سيُخرجونه لأنه لا بأس به؟ المخيف أن الإجابة لا، لأنه أينما كان المكان فإن احتمالات خروجك شبه معدومة. هذه عرفناها من تجربة للعالم النفسي الأميركي ديفد روزنهان في العام 1973م، أظهر فيها أنك لو وُضعتَ في مصحة عقلية فالأرجح أنك لن تخرج، مهما قلت لهم، مهما أقنعتهم، مهما ظهر عليك من الرصانة والحكمة والعقل، ستمكث هناك ولن يصدقك أحد، في تجربة روزنهان اتفق مع 12 شخصاً أن يذهبوا لمصحات عقلية متعددة ويقولوا إنهم يشتكون من أعراض كالهلوسة وسماع أصوات، فأُدخِلوا وبدأت التجربة، والآن توقفوا عن الشكوى وعادوا كما كانوا من تمام العقل والتصرف الحسن، بل أظهروا ذكاءهم فأخذوا أقلامهم وكراساتهم وجعلوا يكتبون ما يرونه حولهم، ورغم ذلك ظلوا في المصحات ولم يصدقهم أي شخص، ما عدا بعض المرضى الآخرين، لما أرادوا الخروج من المصحة ذهبوا للمسؤولين وأفادوهم أنهم أصحاء وأنهم راغبون في الخروج، والإجراء ألا يخرج شخص إلا بإذن الأطباء ليقيّموا حالهم، وإذا ما كانوا جاهزين للخروج، وبما أن هؤلاء المتطوعين ظلوا على حال من اللطف والتعاون ولم يبدوا أي عدوانية أو خطورة على أنفسهم أو على غيرهم فقال الأطباء إنهم سيسمحون بخروجهم فقط فيما بعد، بشرط أن يشهدوا على أنفسهم أنهم مرضى وأن يبدؤوا تناول الأدوية النفسية! لما رأى روزنهان هذا ذهب ومعه محامٍ وأخرجهم، بعضهم جلس أسبوعا وبعضهم قرابة شهرين، ولم يميز أي من طاقم المصحة ولا الأطباء أن هؤلاء أناس سليمون لا علة بهم. شيء مقلق! أما تارسيس المذكور في المقدمة فقد خرج في النهاية بعد 18 شهراً في المصحة العقلية الجبرية، وكتب رواية «الجناح 7» يحكي فيها تجربته.

مشاركة :