أكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، أن تكريم الشاعر والمفكر العربي الكبير أدونيس والاحتفاء بعيد ميلاده التسعين في ختام فعاليات مهرجان «هاي أبوظبي» الذي نظمته وزارة التسامح بالتعاون مع هاي للفنون والآداب بالمملكة المتحدة في منارة السعديات، يعد احتفاء بالكلمة الشاعرة وبتاريخ طويل من الإبداع والعمل المتواصل، كما أنه اعتراف بقيمة وقامة الشاعر على المستويين العربي والعالمي، معبراً عن فخره بأدونيس كشاعر صاحب مشروع أدبي متميز تتلمذ على يديه العديد من الأسماء البارزة في سماء الشعر والأدب. جاء ذلك عقب حفل التكريم الذي اختتم به مهرجان «هاي أبوظبي» فعالياته بحضور معالي الشيخ نهيان بن مبارك ومعالي سعيد غباش رئيس جامعة الإمارات ولودوفيك بوي السفير الفرنسي لدى الإمارات وعفراء الصابري المدير العام بمكتب وزير التسامح وعدد كبير من شعراء العالم، الذين قدموا بانوراما شعرية باللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية والصينية والعربية مهداة إلى أدونيس في ميلاده، قدم لها الدكتور علي بن تميم، وشارك فيها الشعراء: زليخة أبو ريشة، فولكر براون، قاسم حداد، بيير وجوريس، يانغ ليان، سيرجي باي، وأندريه فيلتر، قبل أن يلقي الشاعر العربي الكبير كلمته، شاكراً معالي الشيخ نهيان بن مبارك وزير التسامح، والشعراء والحضور، ويقرأ قصائد من أهم أعماله، لتلتقي بلاغة الشعر ببلاغة التسامح قولاً وممارسة على أرض الواقع. نجاح كمي وكيفي وقال معالي الشيخ نهيان بن مبارك: «إنه يحس بسعادة غامرة بنجاح أبوظبي في تنظيم هذا المهرجان العالمي، سواء على المستوى الكمي من حيث كثافة الفعاليات وأعداد الجماهير التي حضرتها، أو من حيث الكيف، فقد وفر المهرجان منصة واسعة لعدد كبير من أدباء وشعراء وعلماء العالم ليشاركوا الجميع إبداعاتهم، في حوارات راقية تتسم بالعمق واحترام الاختلاف وقبول الآخر، ليخرج الجميع من المهرجان فائزين، مضيفا أن مهرجان «هاي أبوظبي» كان رسالة سلام ومحبة وتسامح إلى العالم أجمع، وهذه هي رسالة وزارة التسامح التي تسعى لتحقيقها دائما، سواء من خلال الفنون أو الثقافة أو التنمية المجتمعية، وغيرها من المجالات، لأن التسامح والأخوة الإنسانية بالنسبة لنا هما أسلوب حياة، نستحقه جميعا ويستحقه العالم معنا، ولذا فإن مهرجان «هاي أبوظبي» كان منصة رائعة لاستعراض تجربة الإمارات الفريدة في تعزيز التسامح والأخوة الإنسانية كتجربة يمكن القياس عليها وإهدائها إلى العالم أجمع، منبها إلى أن هذا الاستعراض لهذه التجربة لم يتم عبر محاضرة أو عرض تقديمي، وإنما كان من خلال المعايشة والتصرفات على أرض الواقع، والتي تعد الأكثر صدقاً والأعمق أثراً والأبلغ تأثيراً. وأضاف معاليه أن مهرجان «هاي أبوظبي» كان منصة حقيقية للتعددية وحرية الفكر، فلم يصادر أحد فكر أحد، ولم يستبعد أحد نتيجة لاختلافنا مع رأيه أو مواقفه، وكان للجميع أن يتحاوروا وفق قواعد الأخوة الإنسانية واحترام الآخر بصرف النظر عن رأيه أو معتقده أو لونه أو جنسيته، متمنيا أن تكون الدورة الثانية من المهرجان أكثر ثراء وعمقا وتأصيلاً لقيمة أبوظبي، كعاصمة للفكر والإبداع إلى جانب كونها عاصمة للنهضة والتقدم، وعبر معاليه عن تقديره وشكره لكافة المسؤولين عن المهرجان والمشاركين فيه من كافة أنحاء العالم من الشعراء والأدباء والفنانين والعلماء والمفكرين، وللجمهور الذي اتسم بالرقي وحب الثقافة والمعرفة وكان إثراء للمهرجان. وثمن معاليه الدعم الكبير الذي قدمته القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة للمهرجان كمنصة للثقافة والتسامح معا، رافعاً أسمى آيات الشكر والتقدير إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. احتفال الوزارة في بداية الاحتفالية ببلوغه التسعين توجه أدونيس بالشكر لمعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، ولمهرجان هاي وللحضور على هذه الحفاوة، بينما أكد الدكتور علي بن تميم في تقديمه للأمسية، على مكانة الشاعر الكبير، وما قدمه من إرث شعري متعدد ومتفرد في شق دروب جديدة في الشعر العربي ما زلنا إلى يومنا هذا نسلكها ونقتفي اثرها، وأضاف: اليوم هنا في أبوظبي مع جمهور أدونيس وهذه المجموعة الاستثنائية من الشعراء، نحتفل بتلك السنبلة المتفردة التي اتسعت حقولا وتكاثرت قمحا وخبزا في قلب كل محب للشعر، حيث ظل متمسكا بالأصالة، متعطشاً للتجديد، مؤمناً بقوة اللغة وقدرتها على اختراق الخيال، وقوة الخيال على إثراء اللغة وصونها وحفظها وجعلها لغة للحاضر والمستقبل لا لغة للماضي فحسب.. هو الفيلسوف الشاعر والشاعر الفيلسوف، غير أنه وهو يخطو بثقة عتبة التسعين يذكرنا دوماً بأن الشاعر الحق يولد طفلا ويكبر طفلا ويشيخ طفلا وطفلا يعود. وفي نهاية الاحتفالية قام معالي الشيخ نهيان بقطع قالب الحلوى «كعكة» الاحتفال مع أدونيس وباقي الشعراء وأسرة «هاي أبوظبي». احتفال السفارة كما نظمت السفارة الفرنسية لدى الدولة، قبل الاحتفالية، حفل استقبال على شرف الشاعر أدونيس، وأعرب خلاله السفير الفرنسي لودوفيك بوي، عن سعادته بالاحتفال بالشاعر الكبير الذي يمثل مصدر إلهام بما يقدمه من ابداع. وأضاف: سعيد بأن أرحب بكم في هذا المهرجان الرائع للأدب، شكراً عزيزي أدونيس على تشريفنا بحضورك لنحتفل معك بعيد ميلادك وبكل مساهماتك القيمة في الأدب العالمي واللغة العربية والفرنسية. إن تجمعكم كشعراء من مختلف دول العالم في أبوظبي وإلقاء قصائدكم بلغات عديدة يمثل أجمل رسالة تسامح وحرية وسلام وانفتاح وحوار مع الآخر للعالم.. شكرا لوزارة التسامح على رعايتها للمهرجان ولكل جهودها لتعزيز الحوار بين الثقافات، وجهودها في مجال التعاون بين فرنسا والإمارات العربية المتحدة. من جانبه، أشار أدونيس إلى اعتزازه بهذا التكريم. مضيفاً: يزيدني هذا اللقاء الثقافي ثقة بأن الآخر المختلف لم يعد مجرد عنصر في التفاعل، وإنما أصبح بعداً مهماً من الأبعاد التي تكون الذات نفسها في تفاعلها مع الآخر، وهذا ما كان استشرفه المتصوفون العرب بقولهم «أنا هي الآخر»، وقول أبي حيان التوحيدي «الصديق آخر هو أنت»، وفاق الفلاسفة العرب ابن رشد في تسمية الآخر في شخص أرسطو بمعلمي، وهي أول تحية تقال للآخر المختلف في تاريخ العلاقات الإنسانية، وأكملت فرنسا في العصر الحديث هذه السيرة في مقولة رامبو: «أنا هي الآخر». وقال: «هذا الأمر يشير إلى أمور عديدة أحرص على ذكر اثنين منها: الأول هو أن الهوية الثقافية لم تعد إرثاً بقدر ما أصبحت إبداعاً، فالإنسان يبدع هويته فيما يبدع أفكاره وأعماله، كأنما الهوية تجيء من الحاضر المستقبل أكثر مما تجيء من القديم الماضي، والثاني أن الإنسان بوصفه كينونة خلاقة لا يقول نعم في مجابهة العالم إلا بما يحرر الإنسان لا من الخارج فقط ولكن من الداخل، والفن بمختلف تجلياته هو الذي يفصح عن طاقات الشعوب ويستكشف آفاقها ويتيح لحضورها على هذه الأرض الإشعاع المتميز الفريد». اختتم المهرجان أعمال يومه الأخير بأكثر من 25 فعالية مختلفة شارك فيها أكثر من 32 شاعراً وكاتباً من مختلف أنحاء العالم، وحظيت مجموعة من الندوات بالاهتمام لكون المتحدثين فيها من المختلفين، سواء على مستوى الكتابة أو الموقف من المجتمع والسياسة، ما جعلهم في مهبِّ الاختلاف وما يرافقه من صعوبات. ولقيت ندوة الروائية الليبية نجوى بن شدوان حضوراً كبيراً خاصة من جانب النساء، وتطرقت في حديثها مع الإعلامية بروين حبيب إلى محطات في حياتها وأهم أعمالها، وتوقفت كثيراً عند رواية «زرايب العبيد» التي جاءت صادمة للواقع لأنها فتحت تجارة النخاسة في ليبيا بعمل روائي لا يختلف كثيراً عن وقائع حدثت بالفعل. ويحلو الاختلاف مع الشعر الذي اختتم آخر جلسات المهرجان، في جلسة الشاعر البحريني قاسم حداد، والشاعرة والكاتبة الأردنية زليخة أبو ريشة، التي شكرت في بداية الجلسة أبوظبي على اهتمامها بالثقافة وإقامة هذا المهرجان الكبير، ثم قالت: «اللغة مفتاح الروح والشعر، لذلك من بدايتي ذهبت للشعر، وباختصار جاء مع جدل العائلة، وقد وسعت قراءاتي للفقه، وكنت أول من تجرأ على نقد الإسلاميين، وتساءلت: هل كان ذلك بعيداً عن الشعر والأدب؟ أبداً، لم يكن. وأضافت موضحة: لقد تحولت حياتي في السنوات الأخيرة إلى جهاد. ثم قدمت الروائية لمحة سريعة عن مسيرتها الأدبية والشعرية وما عانته بسبب كتاباتها. وقرأت قصيدة بعنوان:«أزرق تشطره نخلة» وقصيدة «تهديد»، ومنها: أنا عزلاء كتنهيدة/ كضحكة جود في الممرات/ كفرح مباغت/ أنا ولا تشبه نظراتي سهاما/ ولا أحمل مسدسا في الأفراح/ عزلاء عزلاء بإرادتي/ كشجرة/ كخطوة إلى حب. بدوره تحدث الشاعر قاسم حداد عن تجربته الشعرية، وكيف دخل الشعر والأدب من باب السياسة ومعاناتها، معتبراً أن الشعر شكل من أشكال النضال السياسي. وأضاف: مع الديوان الأول بدأت أتعرف على الأدب بشكل أكبر، وكانت المكتبة العامة هي التي سهلت علي القراءة والكتابة، وترددي المستمر إلى المكتبة يسر لي أن أتعرف إلى العديد من الشعراء الكلاسيكيين وشعراء الحداثة. وبعد ديواني الثاني، بدأ اهتمامي بالحرية وهي الشرط الأساسي في الكتابة، واقتناعي بحريتي هو الذي ساعدني أكثر في التعرف على التجارب الأدبية، موضحا أنه تعلم الدرس الأول في حياته الشعرية من أدونيس، ومن شرطين هما: الجمال والحرية. وأكد قائلا: هذا ساعدني كثيرا في الكتابة لأني صرت أكتشف جمالية البلاغة التي نتلقاها في المدرسة، ويأتي في المقام الأول شرط الجمال في لغة الشعر، هذا الجمال الثري الذي نتلقاه من المصادر التراثية. ومن ولعي بموسيقى الشعر بدأت أشعر بأهمية الخليل بن أحمد وبحور الشعر. وعندما يكون الكاتب مستمتعا بكتابة النص تأتي المتعة الذاتية. وألقى عدة قصائد منها قصيدة«الأب»، يقول فيها: ما الذي جاء بي/ يا أبي/ والقطارات مشحونة بالشجر/ القطارات ذات الحديد الحزين/ ستخطفني بغتة/ في غموض المطر/ ما الذي، يا أبي،/ حطّني في الطريق إلى النهر/ للناي يقتلني/ كلما مَـرّ بي. وتابعت جلسات الحوار والشعر مع الشاعر الصيني يانغ ليان، وهو يعتبر أحد شعراء الضباب الذين واجهوا الصعوبات والتحديات التي كانت مفروضة على الثقافة، وقد تعرضت أعماله للنقد الشديد في أوائل الثمانينات حتى تم حظرها رسمياً، وهو يقيم حالياً في برلين.
مشاركة :