يبدو أن المحن والفتن والأزمات، هي من توحد بوصلة المجتمعات والشعوب والأمم، تلك حقيقة راسخة منذ بدايات الحياة المدنية التي أنشأت المدن وشيّدت المباني وسنّت القوانين، بعد قرون طويلة جداً من العيش في الفوضى والاحتماء بظل القبيلة والخضوع لسلطة الغاب. نعم، الأحداث والمواقف والتداعيات، هي من تؤسس لثقافات وسلوكيات وتوجهات جديدة، لم تكن تخطر على فكر ومزاج وقناعة المجتمعات والشعوب والأمم التي قد تواجه مشكلة أو معضلة خطيرة تُهدد أمنها واستقرارها وتنميتها، كظاهرة الإرهاب مثلاً. الإرهاب، هو المفردة الأكثر بشاعة وخطورة وتعقيداً، في قاموس الكوارث البشرية. الإرهاب، هو طاعون العصر، وطوفان الحقد والكراهية، وخنجر الغدر والتوحش. لقد مررنا بتجربة مريرة مع الإرهاب، ونجحنا في القضاء عليه، ولكنه كالحرباء يتلون ويتحول ويتغير، ليعاود ممارسة هوايته القبيحة ويطل برائحته النتنة، كلما سنحت له الفرصة أو وجد تراخيا هنا أو ضعفا هناك. والمتتبع لتاريخ هذه الظاهرة الخطيرة، قديماً وحديثاً، يصل لقناعة تامة، وهي أن الأحداث الإرهابية بمختلف أشكالها ومستوياتها ودرجاتها، ما هي إلا نتاج سلسلة طويلة ومتراكمة من الأسباب والسلوكيات والتداعيات السلبية تشكلت ونمت وسيطرت على المجتمع. نعم، مواجهة الإرهاب تتطلب قدراً كبيراً من التعامل بحزم وردع وقوة، وبكل الوسائل والطرق والأساليب المتاحة، لأنه يُمثل خطراً كبيراً على بنية الجسد الوطني، ويُهدد أمنه وسلامته واستقراره وتنميته. نعم، الإرهاب لابد أن يواجه بكل ذلك وأكثر، ولكنه أيضاً بحاجة لخطط واستراتيجيات موازية، أهمها على التحديد، تجفيف منابعه ومصادره ومحاضنه التي يستمد منها قوته وتمدده واستمراريته. الإرهاب، آفة فتاكة وسرطان مدمر، لابد أن تتضافر كل الجهود والإمكانات والقدرات لمحاربته ومكافحته. إن محاربة الإرهاب مسؤولية الجميع بلا استثناء، الدولة والمجتمع والإعلام ومؤسسات التنشئة المجتمعية والنخب، وأيضاً المواطن البسيط الذي يُعتبر المسؤول الأول. والسؤال هنا: ما هو دور المواطن السعودي لمحاربة هذا الفكر الضال والتصدي لخطر الإرهاب؟ تُمثل الإشاعات والأكاذيب والأخبار الملفقة والفيديوهات والصور المثيرة، ظاهرة خطيرة جداً تتسبب في إشاعة الفوضى والقلق والخوف، وتُمهد لتمظهر وتمدد الطائفية والقبلية والعصبية، وهنا يأتي الدور الحقيقي للمواطن الغيور على وطنه، بحيث لا يسمح بتمرير ونشر كل هذه الظواهر الخطيرة. المواطن السعودي، يتصدر قائمة الأكثر استخداماً ودخولاً لعالم الإنترنت، وخصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي، هذا العالم الجديد الذي أصبح منصة كريهة لبث الكراهية والطائفية، لذا تقع عليه مسؤولية التعامل مع هذه الوسائل والوسائط بحكمة ونضج وذكاء، مغلباً مظاهر التسامح والتوازن والاعتدال، ويكون همه الأول والوحيد هو أمن وسلامة واستقرار الوطن. للأب والأم، الدور الكبير في تربية وتنشئة الأطفال على روح التسامح والانفتاح والتوازن والوسطية وقبول الآخر، وتحصين هذه العقول الطرية من شوائب الفكر الضال، وحمايتهم من الوقوع في براثن الأفكار المنحرفة. المعلم المواطن والمعلمة المواطنة، يُمثلان القيمة الكبرى التي تصنع الأجيال الجديدة التي ترسم مستقبل الوطن. دورهما في غاية الخطورة والأهمية والتأثير، لأنهما يُسهمان في تشكيل الشخصية المتوازنة والطبيعية لأطفالنا وشبابنا، بما يغرسانه من حب وانتماء وإخلاص ووفاء لهذا الوطن، وبما يمررانه من رسائل مختلفة لتحصينهم ضد كل مظاهر العنف والتطرف والانحراف، وتحذيرهم من كل محاولات الاستهداف والاستغلال والتجنيد من قبل أعداء الوطن. المواطن البسيط، في منزله ومحيطه وعمله وفي كل تفاصيل حياته، الصغيرة والكبيرة، يُمثل "الحارس الأمين" لهذا الوطن الرائع الذي يجب أن نحافظ عليه ونبذل من أجله كل غال ونفيس.
مشاركة :