محمد العريان * مواجهة التعطل الاقتصادي المفاجئ، كذاك المتصل بفيروس كورونا، أصبحت أصعب بكثير في المدى القريب من مواجهة التعطل المالي المفاجئ. نتابع هذا الأسبوع تدفقات الأخبار حول مواقف الحكومات والبنوك المركزية التي تؤكد استعدادها «للقيام بكل ما يلزم» لمواجهة التأثير الانكماشي لفيروس كورونا على كل اقتصادات العالم بدون استثناء. وقد أشار الاحتياطي الفيدرالي يوم الجمعة الماضي إلى استعداده لتخفيف القيود النقدية في الولايات المتحدة، بينما أعلنت إيطاليا يوم الأحد عن تصميم «علاج صدمة» خاص بالإجراءات المالية. ومع الإعلان عن المزيد من الإصابات خلال الأسبوع، سيكون من الواضح تمامًا أن السؤال لن يكون حول الاستعداد للعمل فقط، ولكن عن فعالية تلك الإجراءات. بالنسبة للجزء الأكبر، ستكون الإجابة مرضية جزئياً فقط على المدى القصير حتى يتغير عنصران أساسيان في الجانب الصحي. سيكون الأمر الأقل وضوحًا هو الحاجة إلى تقييم المنافع الفورية - جزئيًا وحسب الضرورة - في مقابل احتمالات العواقب غير المقصودة على المدى الطويل، المرتبطة بالاستخدام الحتمي لأدوات السياسة غير المناسبة في مواجهة المشكلة. وتشمل هذه الرهان على المزيد من النمو في المستقبل والاعتماد بدرجة أكبر على الأنشطة التي تعززها عمليات ضخ السيولة من البنك المركزي. ويعاني عدد متزايد من القطاعات الاقتصادية والبلدان، ديناميات التوقف المفاجئ حيث تنتشر الآثار الاقتصادية لفيروس كورونا على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. ويتعرض كل من العرض والطلب لضربات شديدة وبطرق متعددة. وعلى سبيل المثال، حظرت شركة «نيوز كورب» التي تملك صحيفة «وول ستريت جورنال»، السفر غير الضروري لموظفيها في نهاية هذا الأسبوع؛ ويتم إلغاء المزيد من المؤتمرات في جميع أنحاء العالم؛ وتقلص شركات الطيران جداول الرحلات، بينما تطلب بعض الشركات من موظفيها العمل من المنزل. إنها ديناميكية الاعتماد على الذات على المدى القصير، يغذيها «فيروس الخوف» وغيره من السمات السلوكية التي تسبب الشلل وانعدام الأمن. كما أنه يشجع الدورات الاقتصادية الحادة بتفاعلاتها الضمنية التي لها آثار اجتماعية وسياسية ومؤسسية مؤذية، تتضخم بسبب الخطر الكبير المتمثل في جيوب تعطل السوق المالي. سيكون كل هذا تكرارًا عالمياً لما أسميته يوم الجمعة «رقم الصدمة» الآتي من الصين، حيث لم يكن مؤشر مديري المشتريات في القطاع الصناعي لشهر فبراير أقل بكثير من التوقعات - 35.7 نقطة مقارنةً بتوقعات تجمع على 45.0 نقطة - ولكنه كان الأسوأ على الإطلاق. ويواجه العديد من الدول الآن احتمالًا كبيرًا للركود، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا واليابان وسنغافورة، على سبيل المثال لا الحصر، وسيواجه بعض البلدان التي تعاني ضغوطًا مالية زيادة أكبر في مخاطر الائتمان والتهديدات المتزايدة لتقنين الائتمان المباشر. مع ذلك، سيتم إجبار عدد متزايد من الشركات مرة أخرى على مراجعة تقديرات أرباحها السنوية هبوطاً أو شطبها كليًا بسبب حالات عدم اليقين الاستثنائية. وستعيش بعض الشركات ذات التغطية النقدية المحدودة والديون المستحقة السداد بما فيها الشركات الحكومية، القلق نفسه بشأن قدرتها على تعويض فاقدها النقدي، ما يزيد من احتمالات تصاعد خطر التخلف عن السداد في القطاعات الأكثر تعرضًا للقروض. في ضوء كل هذا، لا يجب أن يكون مفاجئًا أن عددًا متزايدًا من الدول سيعلن عن إجراءات تحفيز طارئة. في الواقع، تحتوي تلك الإشارة بالفعل على معلومات مهمة. فقد أشار بيان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الصادر يوم الجمعة والذي يتكون من أربعة أسطر إلى «المخاطر المتفاقمة» التي تواجه الاقتصاد الأمريكي واستعداد البنك المركزي لاستخدام «الأدوات المتاحة والتحرك السريع لدعم الاقتصاد». وهذا مشابه تمامًا للتحول في سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي 180 درجة قبل عام، من مسار رفع أسعار الفائدة الذي استمر عدة سنوات، إلى قرار خفض فوري. لا شك أن هذا يفتح الباب أمام البنوك المركزية الأخرى لتخفيف الشروط المالية. وإذا لم يتم التنسيق، فسيكون عامًا آخر من الحوافز المرتبطة بالسياسة النقدية، حيث يستجيب محافظو البنوك المركزية للظروف الاقتصادية نفسها دون أي تعاون فيما بينهم. وفي الحالة الإيطالية، يسلط إعلان الحكومة الضوء ليس فقط على الإعفاءات الضريبية للشركات التي تعاني خسائر كبيرة في الإيرادات والمساعدة الإضافية للقطاع الصحي - بل رغبة الحكومة في التصرف حتى في سياق القيود المالية السابقة والتوترات المحتملة مع بروكسل. لكن ينبغي عدم الخلط بين الرغبة الكبيرة للحكومات والبنوك المركزية في التحرك، وفاعلية ذلك التحرك. في ظل التفاصيل التي ذكرتها تصبح مواجهة التعطل الاقتصادي المفاجئ، كذاك المتصل بفيروس كورونا، أصعب بكثير في المدى القريب من مواجهة التعطل المالي المفاجئ. فالأول لا يتطلب فقط استجابات وطنية ومحلية واضحة الأهداف، بل يتطلب أيضًا جهودًا دولية منسقة ومترابطة. والمثال الحاضر هنا اجتماع مجموعة العشرين في إبريل 2009 في لندن. وبالنظر إلى استخدام أدوات السياسة المصممة على عجل والتي تكون في الغالب غير مجدية، فإنها تنطوي حتماً على بعض الأضرار الجانبية والعواقب غير المقصودة، وخاصة بالنسبة للرفاهية الاقتصادية طويلة الأجل والاستقرار المالي. وأفضل ما تأمل السياسة المالية والنقدية تحقيقه على أرض الواقع في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة هو: - دعم القطاعات الحيوية لتحقيق الشفاء الشامل، مثل الخدمات الطبية على وجه الخصوص. - دعم قطاعات العقود الأكثر ضعفًا والأسرع تأثراً بتبعات الفيروس. - تقديم الدعم المركز لموازنات الشركات والأسر. - توفير المساعدات الطارئة للبلدان التي اجتاحتها هذه الصدمة الخارجية. - معالجة جيوب الخلل في السوق من خلال حقن السيولة المباشرة في الوقت المناسب. - زيادة الشفافية والوضوح حول ما ينتظر الاقتصاد العالمي وجهود المواجهة على المستوى الوطني وتنسيق السياسات العالمية. ومع ذلك، لن تكون هذه الجهود قادرة على هندسة الانتعاش الشامل والمستدام العام على المدى القصير للمحركات الرئيسية الثلاثة للنشاط الاقتصادي: الاستهلاك والاستثمار والتجارة. فلا بد أن يتقلص الاستهلاك بسبب افتقار الأسر للثقة في التفاعل مع الاقتصاد، وضعف آفاق الطلب، وكذلك تعطل سلاسل التوريد الذي سيحد من إنفاق الشركات. ستظل التجارة في السلع والخدمات ضعيفة، حيث يفرض المزيد من الدول قيودًا في سعيها لحماية صحة وسلامة مواطنيها. ولتحقيق انعطاف حاسم، يحتاج الاقتصاد العالمي إلى دليل على تحقيق اثنين من الإنجازات الصحية، أولاً: النجاح في احتواء انتشار الفيروس، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتحول المجتمعات؛ وثانياً: النجاح المطّرد في التعافي من المرض وتجنبه، وإنجاز ذلك على أكمل وجه من خلال توافر لقاحات جديدة. أما بالنسبة للأسواق المالية، فلا بد من متابعة تقلبات الأسعار الحادة ووفرة السيولة؛ حيث يمارس المتداولون لعبة شد الحبل بين تعميق الأضرار على الاقتصاد والشركات من ناحية، وضخ السيولة من قبل البنك المركزي وقرارات السياسة المالية والأخبار الصحية من ناحية أخرى. أما الفرص الفورية المتاحة للمستثمرين فسوف تتباين تبعاً لاعتمادهم إما على التكتيكات الفورية من خلال المراهنات اليومية على كسب الأرباح، أو الخطوات العقلانية المدروسة التي تناسب محافظ الاستثمار طويل الأجل لتجنب تقلبات الأسواق في المستقبل. * استشاري شركة «أليانز»
مشاركة :