الشارقة: علاء الدين محمود شهد معهد الشارقة للفنون المسرحية، أمس الأول تقديم عرضين ضمن النسخة الثلاثين من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، وهما: «صبح ومسا»، لمسرح دبي الأهلي، تأليف وإخراج حافظ أمان، وتمثيل: بدرية أحمد، إبراهيم سالم، ومحمد إسحاق. والعرض الآخر هو «أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمي»، لفرقة جمعية الشارقة للفنون الشعبية والمسرح الحديث، تأليف علي جمال، وإخراج حسن رجب، بمشاركة مجموعة كبيرة من الممثلين. بدأ عرض «صبح ومسا» بمشهد تصادم سيارتين، الأولى لامرأة تجاوزت الشباب بقليل بدرية أحمد، حسنة المظهر، مهتمة بأنوثتها مع بعض الكبرياء، أما الثانية فيقودها شاب صغير محمد إسحاق، وفي انتظار مأمور حوادث المرور، ينشأ حوار صاخب بينهما، فالسيدة كانت تنظر إلى الشاب كفتى متهور لا يهتم بحياة الناس، بينما هو ينظر إليها بعين الريبة لكونها تقود سيارة في هذا الوقت المتأخر من الليل، ليبرز صراع بين «أنتم» و«نحن»؛ أي بين جيلين مختلفين في نظرتهما للحياة والأشياء، فالمرأة ظلت تتحدث عن المجتمع وظلم الرجال للنساء، خاصة من قبل هذا الجيل الصغير، وبعد قليل تكتشف أن الشاب هو مجرد سائق لرجل في مثل عمرها إبراهيم سالم، الذي يخرج من أحد الملاهي الليلية، معتدا بنفسه، ينتمي لطبقة المرفهين، لينشأ مرة أخرى حوار وحكايات جديدة تناول القيم الخاطئة. بدأ العرض واقعياً في تفاصيله وفكرته؛ غير أنه اتجه رويدا نحو الرمزية ليجد الجمهور نفسه أمام لعبة سرد متخمة بالحكايات والألغاز، فترقب الحوار ودلالات السينوغرافيا لعله يخرج بإشارات تفسر مغاليق العمل، ويبدو أن المخرج راهن على فهم الجمهور كثيراً، فبخل حتى بلمحات كوميدية تلطف الأجواء الباردة الجادة، ومما زاد الطين بلة أن الحوارات جاءت متسارعة فعجز المشاهدون عن ملاحقة ما يقوله الممثلون، وربما كان لظهور إبراهيم سالم، في منتصف العرض دوره في رفع الإيقاع بعض الشيء. قصة العمل رائعة وحملت أفكاراً محتشدة بالقضايا، ويبدو أن المخرج قد أراد، وكما قال، «أن يحكي»، حتى لو كان ذلك على حساب الحلول الإخراجية، لكن العرض، رغم ذلك، حفل بالجماليات، والأداء التمثيلي المميز من قبل الممثلين الثلاثة. آراء متباينة تباينت أراء المتحدثين في الندوة التطبيقية التي أدارها المخرج المصري عصام السيد، غير أنهم أكدوا أن العمل جاء قوياً في نصه وما حمله من معالجات لقضايا عصرية بمضامين فكرية. استهل عصام السيد حديثه عن تحولات العرض من الواقعية إلى الرمزية، وذهب المخرج جمال صقر «البحرين»، إلى مناقشة جماليات العمل ووصفه بالواقعي، موضحا أنه لم يكن هنالك استغلال حقيقي للمكان ليمنح الممثلين حرية أكثر في الحركة، وكان من الممكن استبدال السيارتين بدلالات رمزية توحي بوجود سيارات في المكان. واعتبر المخرج منير العرقي «تونس»، أن العرض قدم مزجاً جيداً بين الرمزي والواقعي، غير أن المخرج لجأ إلى استخدامات غير واقعية في الديكور. وقدم المسرحي الإماراتي عمر غباش، إشادة خاصة بمخرج ومؤلف العرض، وذكر أن حافظ أمان صاحب جهد وافر وكبير في الساحة المسرحية الإماراتية، موضحا أن هنالك إشكاليات في السينوغرافيا، أما فيما يتعلق بالأداء التمثيلي فقد وضحت حرفية إبراهيم سالم، وتجربة بدرية أحمد الطويلة وكذلك أداء محمد إسحاق. ومن جانبه دافع أمان عن السينوغرافيا، وذكر أن العمل صمم من أجل أن يقدم في مسرح أكبر، وأن الديكور جاء مناسباً، وانتقد سرعة الحوار من قبل الممثلين، مؤملا معالجة هذا الأمر، وشدد أمان على أن من حق المخرج أن يصبح كاتباً. أبعاد فلسفية وحمل العرض الثاني «أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمي»، أبعاداً فلسفية، ويبدو أن مخرج العمل أراد الذهاب إلى منطقة «الديستوبيا»؛ أي المدينة غير الفاضلة، ولكن برؤية كوميدية تزيل الحمولة الثقيلة، فالقصة تتناول واقع المجتمع وما يسود فيه من قيم سيئة ومختلف أنواع الشرور والخطايا التي تكدر حياة الإنسانية في الواقع اليومي المعيش، كما تغوص القصة في معارك الحياة، وتتقلب في الألم والمعاناة والتناقضات. وتحكي قصة العرض عن مجموعة حالمين يعملون على محاربة الخطايا عبر جمع «النفايات»، التي ترمز إلى القيم السلبية، وينجح هؤلاء في جمع كل النفايات ووضعها في زكيبة كبيرة أحكم إغلاقها، ليسود السلام والوئام في العالم، ويتحقق ما أراده جامعو النفايات غير الصالحة للاستهلاك الآدمي في صنع عالم حلموا به حافل بقيم الخير والحب والجمال، ولكن ظلت معضلة كان على الحالمين مواجهتها، وهي كيفية التخلص من النفايات بحيث لا تتسرب إلى المجتمع مرة أخرى، فكروا في صنع حفرة عميقة يضعون فيها النفايات، ولكنهم بعد تفكير عميق وجدوا أن ما قاموا به لن يحل مشكلة البشر، فلابد من التعايش مع الشرور التي تشكل اختباراً للإنسان الحقيقي، وأن الوعي كفيل بهزيمة الشر في داخل كل إنسان؛ أي أن التخلص من الخطايا هو مسؤولية فردية في المقام الأول، ليقوموا مرة أخرى بإطلاق سراح النفايات. وإذا كانت فكرة العمل مطروقة في كثير من الأعمال المسرحية؛ فإن مخرج العرض رفع عالياً من قيمة النص، ووفر حلولاً إخراجية غاية في الإبداع برؤى واشتغالات مميزة بدلالات درامية عميقة على مستويات السينوغرافيا وعناصرها، والأداء التمثيلي الذي جاء متميزاً. الإشادات انهالت على العرض في الندوة التطبيقية النقدية التي أدارها البحريني عبد الله ملك، حيث وصف العمل بالعرض المتكامل على مستوى الإخراج والنص والأداء التمثيلي. ديناميكية وذكر المصري د. حسن خليل، أن الأداء التمثيلي جاء قمة في الروعة وبديناميكية عالية، وفكرته مميزة، ويعبر عن نوع جديد من المسرح الكاريكاتوري غير المعروف عربيا. وتناول العراقي د. سعد عزيز عناصر العمل المسرحي؛ وتحدث عن الهارموني وتوليد دلالات المفردة. وذكر الجزائري عبد الناصر خلاف أن المخرج قد رسم بشاعة الواقع بألوان زاهية. من جانبه عبر مؤلف العرض علي جمال، عن سعادته باختيار المخرج حسن رجب لنصه، وأكد أن اختلاف الآراء دليل عافية لا تفسد للود قضية. فيما تقدم المخرج بكلمات الشكر لفريق العمل على الجهد العظيم الذي بذلوه في سبيل إنجاح العرض.
مشاركة :