أوصت دراسة علمية حديثة بضرورة تعديل نصوص التحكيم الواردة في المجلد السادس من قواعد مصرف البحرين المركزي والتي تفرض التحكيم إجباراً على المتعاملين في سوق رأس المال، مؤكدة ضرورة منح القضاء سلطة أوسع في الرقابة على اتفاق التحكيم المبرم بين المصرف والعميل المستهلك لتوفير حماية أفضل للطرف الضعيف في هذه العلاقة تحقيقاً للعدالة. وأعدت الطالبة في برنامج دكتوراه القانون الخاص منال السيد الدراسة استكمالاً لمتطلبات نيل درجة الدكتوار، داعية فيها إلى منع التحكيم في المعاملات المصرفية المبرم مع العميل المستهلك في صورة شرط في العقد قبل قيام النزاع. وذهبت إلى ضرورة تعديل قانون حماية المستهلك بحيث يمنح جمعيات حماية المستهلك تمثيل المستهلكين أمام القضاء. ورأت الباحثة السيد وجوب تعديل قواعد مصرف البحرين المركزي التي أصدرتها في يونيو 2010 بحيث تجعل التحكيم فيه اختياراً وليس إجبارياً، مؤكدة أن التحكيم يقوم على اتفاق الأطراف، ويعد هذا المبدأ من القواعد المستقر عليها في قوانين واتفاقيات التحكيم، فالأصل في التحكيم هو اتفاق أطرافه على اختيار شخص من الغير، وليس بإسناد من الدولة، ولا يمكن بحال أن يفرض جبراً بنصوص قانونية لا يجوز مخالفتها. وذهبت الباحثة إلى أن التحكيم الذي تفرضه نصوص قانونية تجبر الأطراف على الخضوع له قهراً يعمل على تقويض سماته الأساسية، ويؤدي لعزل القضاء برمته عن نظر المنازعات التي يتناولها، مستبدلاً بها تحكيماً جبرياً لا يملك الأطراف رفض الامتثال له. وأن القول بغير ذلك يؤدي للإخلال بحق التقاضي الذي كفله الدستور في المادة 20 (و) التي منحت فيه الأفراد حق رفع دعوى إلى قاض للبت فيها من دون غيره، تحقيقاً للهدف النهائي من التقاضي والمتمثل في الترضية القضائية، فإذا عرقلها المشرع بقواعد تحول دون الوصول لها، فإن ذلك يعد إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لحق التقاضي وإنكاراً لجوهر العدالة، كما تشير الباحثة. وناقشت الطالبة السيد لجنة امتحان تكونت من رئيس قسم القانون الخاص في كلية الحقوق بجامعة البحرين الدكتور فاضل الزهاوي مشرفاً على الأطروحة، وعميد كلية الحقوق في جامعة أسيوط بجمهورية مصر الأستاذ الدكتور حماد مصطفى عزب ممتحناً خارجياً، وعضو هيئة التدريس في كلية الحقوق بجامعة البحرين الأستاذ الدكتور نجيب ثابت. وأوضحت الباحثة أن قيام مصرف البحرين المركزي بالنص على وجوب إدراج اتفاق التحكيم في العقد لا يغير من الطبيعة الجبرية للتحكيم. فمثل هذا الاتفاق لا يعدو أن يكون أكثر من ترديد للقاعدة الآمرة وتطبيقاً لنصها، فلا يمكن استبعادها بل يتوجب تطبيقها دائماً فقيام التحكيم على إرادة الأطراف يعني انصراف إرادتهما إلى إبرام اتفاق التحكيم وعدم إحلال إرادة المشرع محل هذه الإرادة. وأوضحت السيد بأن النصوص التي تفرض التحكيم قانوناً في المعاملات المصرفية يعد توجهاً خارجاً عن المألوف، مبينة أن قليل من الدول اتبعت الاتجاه نفسه ولكن هذه القواعد كان مآلها إما الحكم بعدم الدستورية أو تعديل المشرع لهذه القواعد، كما هو الحال مع قواعد سوق رأس المال في الكويت والتي عدلها المشرع في العام 2014، وقواعد التحكيم في منازعات تداول الأوراق المالية في الإمارات والتي خضعت للتعديل في العام 2012. وتوصلت الباحثة إلى نتيجة تخالف الدراسات العربية السابقة، حيث ارتأت بأن التحكيم في المعاملات المصرفية يحقق الأهداف المرجوة منه إذا أبرم بين المصرف والتاجر وليس العميل المستهلك، وعززت الباحثة هذه النتيجة بعمل مقارنة مع تشريعات العديد من الدول كالقانون الفرنسي والانجليزي والألماني والياباني والسويسري والهولندي والنمساوي والنيوزلندي، حيث قيدت هذه القوانين التحكيم المبرم ما قبل قيام النزاع بين التاجر والعميل المستهلك بما فيها عملاء المصارف. أما الدول التي ينتشر فيها التحكيم في المعاملات المصرفية بشكل كبير مثل أمريكا فإن القضاء يملك سلطة واسعة في إبطال اتفاق التحكيم المبرم مع الطرف الضعيف، حيث تلجأ العديد من المصارف بفرض بنود تحكيم تعسفية تهدف إلى حيلولة العميل دون رفع دعوى التحكيم أو تخفيض قيمة المبالغ المحكوم بها، هذا إلى جانب أن القانون الأمريكي لا يجيز التحكيم في قروض الرهن العقارية المبرمة مع المستهلك. وشددت السيد على أهمية تعديل قانون حماية المستهلك رقم 35 لسنة 2012 بحيث يعطي جمعيات حماية المستهلك حق تمثيل المستهلكين أمام القضاء أسوة بالعديد من الدول. وأوصت بلزوم إعادة النظر في مفهوم عقود الإذعان من جانب المشرع والقضاء بما يتناسب مع التطورات التي حصلت بشأن مفهوم هذا العقد من جانب المشرعين والقضاء في الدول المتقدمة. ومنال السيد حاصلة على بكالوريوس الحقوق في جامعة البحرين بدرجة امتياز، وقد حصلت على درجة الماجستير وحصلت في جامعة موناش الاسترالية المصنفة ضمن الجامعات العشرين الأول على مستوى العالم في القانون وتشغل منصب مساعد بحث وتدريس في كلية الحقوق بجامعة البحرين.
مشاركة :