معذرة أيها الكُتّاب

  • 6/8/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

هل تذكرون الخامس من يونيو حزيران، أشهر يوم في تاريخ الأمة العربية في القرن العشرين؟ مرّ هذا التاريخ قبل ثلاثة أيام، دون أن يثير اهتمام أحد، فقد تتبعت مقالات الكتاب العرب يوم الجمعة الماضي، الذي صادف الذكرى الثامنة والأربعين للنكسة، فلم أجد مقالاً واحداً يتذكرها. تفاءلت خيراً، فربما نكون قد تجاوزناها بعد أن أصلحنا أحوالنا.. وعدنا أفضل مما كنا عليه قبل النكسة. لكن نظرة إلى واقع الحال حولي قالت إن هذا لم يحدث، فما الذي حدث إذن، ونحن مشهود لنا بنبش القبور، واستخراج الجثث، وإعادة تشريحها، كي ننسى ذكرى النكسة، فنمر عليها دون أن نذرف دمعة واحدة ؟! في الخامس من يونيو 1967 انهزمت ثلاث دول عربية، كنا نتصورها غولاً يقض مضاجع الإسرائيليين، أمام إسرائيل التي كنا وما زلنا نعتبرها كياناً لا نعترف بوجوده. في الحرب التي لم تستمر سوى ستة أيام، احتلت إسرائيل سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، وقتل ما بين 15000 و25000 عربي، مقابل 800 إسرائيلي، وتم تدمير من 70 80 في المائة من العتاد الحربي في الدول العربية، مقابل من 2 5 في المائة من العتاد الإسرائيلي.. وتم تهجير معظم سكان مدن قناة السويس في مصر، والقنيطرة في سوريا، وعشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية، ومحو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية. ونتيجة لها صدر قرار مجلس الأمن الدولي 242 الشهير، وانعقدت قمة اللاءات الثلاث الشهيرة في العاصمة السودانية الخرطوم. أرقام ومعلومات يمكن الحصول عليها بكل يسر وسهولة في عصر الإنترنت، وذكرها هنا ليس من باب الاستعراض، وإنما من باب التذكير الذي ينفع المؤمنين، إن كان ثمة إيمان قد بقي بعد كل هذه النكسات والنكبات والمآسي. رحل قادة النكسة حاملين معهم أسبابها ونتائجها وتبعاتها، ورحل من رحل من جيل النكسة حاملاً معه ذكرياته المريرة وبقي من بقي.. فلماذا مطلوب منا أن نجتر هذه الذكريات، وتحملها الأجيال معها، جيلاً بعد جيل؟ سؤال ربما يكون منطقياً لو كنا قد استفدنا من دروس النكسة، ولكن متى كنا نستفيد من الدروس، ومتى كنا نتعلم كما تتعلم الشعوب والأمم، ومتى كنا نعيد ترتيب أوراقنا كي نتفادى أخطاء الماضي، لننطلق نحو المستقبل برؤية أوضح، وعزم أكبر؟ في ذكرى النكسة ليس مطلوباً منا شق الجيوب، ولا البكاء على اللبن المسكوب، فذاك زمن مضى بأحداثه ورجاله الذين يتحملون نتائج أعمالهم، ويبقى التاريخ شاهدا على ما قدموا فيه وأخروا. لكن المطلوب هو أن نتوقف عند محطات التاريخ، لنعرف أين كنا، وأين أصبحنا، وإلى أين نحن ماضون. بعد نكسة 5 يونيو 1967 كان هناك وزراء خارجية عرب، اجتمعوا في بغداد ليقرروا عقد قمة عربية في الخرطوم، قبل أن تمر ثلاثة شهور على النكسة، لتخرج القمة بقرارات تؤكد على التمسك بالثوابت، فأين هم الذين سيجتمعون اليوم لإخراجنا من هذا المأزق الذي نحن فيه؟ وأين هي الثوابت التي سنؤكد على التمسك بها؟ وأين هي العاصمة العربية المطمئنة التي سنجتمع عليها؟ فبغداد التي اجتمع فيها وزراء الخارجية العرب بعد النكسة لم تعد قادرة على جمع العراقيين فيها، بعد أن أصبح العراق أشلاء تتقاسمها الطوائف والعرقيات والولاءات، والجماعات التي تدعي الحكم باسم الإسلام وتزعم أنها ستعيد الخلافة الإسلامية، والخرطوم التي اجتمع فيها القادة العرب بعد النكسة، يوم أن كانت عاصمة للسودان الموحد أصبحت عاصمة للجزء الشمالي منه، بعد أن انفصل الجزء الجنوبي من السودان وأصبح له عاصمته وحكومته المستقلتان. أما بقية الدول العربية التي اجتمع حكامها في الخرطوم لخلق تضامن يعيد للأمة العربية هيبتها بعد النكسة، فقد ذهبت هيبة الحكم في كثير منها، وأصبح حكامها بين مقتول على يد شعبه، ومحاصر في حدود عاصمة بلده، يصارع من أجل البقاء على كرسي الحكم، حتى لو اضطر إلى الوقوف على آخر جمجمة من جماجم شعبه.. ومعزول يتحالف مع الشيطان لتحقيق حلمه بالعودة إلى سدة الحكم، يحاول إرجاع عجلة الزمن إلى الوراء، حتى لو تحطمت تروس هذه العجلة ولم تعد قادرة على السير إلى الأمام أو الخلف، وليذهب الوطن والشعب إلى الجحيم، ما دام هو حياً يرزق من دماء ضحاياه، وضحايا حلفاء اليوم الذين كانوا أعداء الأمس. هذا هو حالنا اليوم، بعد 48 عاماً من النكسة، فما الذي سيكتبه الكُتّاب، وماذا سيقولون؟ معذرة أيها الكُتّاب إذا كنت قد تحاملت عليكم لأنكم تجاهلتم المناسبة، فالتجاهل أحياناً موقف، والمواقف هذه الأيام صعبة، لأن الساحة مزدحمة بالأحداث المؤسفة، بل المؤلمة، وألمها أشد على النفس من ألم النكسة، لأن نكسة الأمس وجدت من يجتمع من أجلها، ويبحث عن حلول لها، أما نكسات اليوم فإن الذين يجتمعون من أجلها يسعون لقطف ثمارها.. وهي ثمار يذهب الحلو منها إلى من تسبب في هذه النكسات ليستفيد منها، وهم أولئك الذين يصبون الزيت على النار لتزداد اشتعالاً، أما المر من هذه الثمار فيبقى لنا نحن المكتوين بالنار، نسترجع مرارة طعمه كل يوم، كي ننسى نكساتنا السابقة، ونتعايش مع نكساتنا الحالية، ونتوقع نكساتنا المقبلة التي لا نعرف متى ستأتي، ومن أين ستأتي، ومتى ستنتهي، هذا إذا كان لها نهاية، ولا نظن ذلك.

مشاركة :