(لتخرج من الرجل الحميد انثاه). تلك عبارة اعتراضية جرت على لسان بطلة الرواية سلاف في الصفحة رقم 68 من الرواية الممهورة على وجنات مائة وخمسة وستين صفحة. تلك العبارة استوقفتني عن القراءة ودربت في التفكير فيما مضى من أحداث وما سيأتي ولم يمر عليه اللحظ بعد؛ هنا رأيت بداية الخلق في مشهد يحاول إتاحة بعثه من جديد وخروج حواء من أضلاع آدم.هي مجرد نصفه الآخر الذي يبحث عنه ولا يراه - سلاف - ولا يجده في محيط واقع الأيام فنحن أمام رواية تحمل المعقول واللامعقول الحلم وفرضية تحققه إن لم يكن في واقع الأمر فأنه في مسوح التنسك الصوفي وساسبنس الأسطورة في سديم يعج بدمى الخيال ذاكَ هو عين يقين الحالة التي اعترضتني عندما توقفت وتلك العبارة التي وضعت كتورية تحمل صفة خيرة في إسقاط على اسم ناسج الحروف في ضربة تحمل وتين الرواية والرؤية.هنا نحن نتوقف ورواية درامية تحمل ترميز لا يمسه الشك بغاية نرنو لها ولا نريد الإفصاح عنها ولكنها تحتوي كل شمائل الذات نحن نحاول أن نصل لهذا الفردوس المفقود واللا مفقود فهو بين جنباتنا يعيش إلا وهو السلام النفسي والاجتماعي ومن هنا كانت ثنائية سلاف... نعم ثنائية حملت أنثى القاص في محورين أحدهما خاص بهذا الفردوس الذي يهفو إليه أنثى الغيم التي تحملها قطرات المطر.والثانية هي فرضية بل ظرفية ما يعتمر وجداننا الجمعي حول هذه السلاف الوطن الذي اغتصب وبيع من حفنة نبتت بذورها في ثراه وحيكت حوله المكائد من القريب والبعيد العدو والصديق القاصي والداني الكل سواء..سلاف تلك الجنية في وشاحها البشري تحمل كل تلك المقومات في ذات حضورية الرواية عبر هذا التخاطر الذي تعج به كل مفاصل الرواية وتلك الفلاشات باك الكثيرة التي تعود بنا لوديان سحقية تبدو ذاتية نفسية ولكنها لا تحمل سوى رمزية لواقع مجتمعي خاص وعام فلحظة محاولة اغتصاب سلاف من عرق يحمل قطرات من دمها هي رمزية تحمل الكثير ما بين الخاص والعام تحمل هذا التباعد وتلك الغوغائية التي لم تجعل حتى فيما بين الأسرة الواحدة في هذا الزمان القاتل من روابط تحمي سفك الدم وغبن الأخ لأخيه.. فمحاولة الاغتصاب هنا لا ترمي للمعنى الجنسي بقدر ما هي تغليظ لفداحة الجرم الذي يقع في واقع الأيام دون انتهاء..وهو هنا يحمل نكهة التفريط في العرض والأرض عرض وأكثر في تورية رمزية شاهقة الحضور تعني هذا الكيان المحيط لتلك الأرض والذي يحمل نفس الجين العرقي..ثم هذا المشهد ما قبل الختامي للاغتصاب الثنائي (راشل) والكاتب الخليجي و(راؤول) وسلاف بطلة الرواية هنا نجد النفس ترنو للبعيد والعام أكثر فالاغتصاب الأول وإن حمل نبرة الإعجاب والمساعدة المغلوطة فهو هذا التغريب والاجتياح الفكري لتهميش الرؤى العربية واغتصاب هويتها - وإن وجدت تلك الممانعة من بطل الرواية - في مشهد داهش ثم يأتي اغتصاب رؤول الصهيوني لفتاة في سجون الاحتلال رمزية لاغتصاب الأرض - وهي عرض - حد الموت - الشهداء - باقتناص فلذة تلك الأرض وتفربغها وتهميش الهوية في رمزية (مقبرة الأرقام) والتي تتيح هذه الهوية التي يحملها مجبرين عرب فلسطين..الرواية تحمل الكثير من الترميز الذي تحيطه ضبابية قصة غرامية تحوي تشويق وفنتازيا نفسية ممنهجة عبر استحضار عوالم موازية تمنح هذا اللقاء الغامض منذ حضور رسالة زاجلية برقية في صندوق قديم في نقطة البداية والتي لم تفسر في مشاهد الرواية وظلت عكاز إستفهام عملاق لا يمكن تفسيره ولكن يمكن أن نحلق حول مداره لنفك الرمز المحيط لنرى محور الرؤية عبر التأويل فمن غير المنصف أن ننظر لتلك الرواية على أنها قصة غرام خيالية نسجها هذا العقل الخاص لبطل الرواية وفقط فهذا تقزيم للأمر..الرواية تحمل إسقاطا واضحا وصريحا عبر كل تلك الرمزية على واقع حال عربي خاص وعام أحلام السلام الذاتي والبحث عن النصف الآخر ونفوق الحلم العام بسلب واغتصاب وطن ثم اللجوء لبنى جلدة المغتصب وإن كان يتظاهر بالورع ويحلق باجنحة الحمائم البيض ليحل ويفك احجيات الوضع وهو يتحدث بلسان يخدعنا وحاديه الفكر الصهيوني..أراها رسالة وضعها بطل الرواية في آخر منعطف لها عندما وضع حضور هذا المُحضر للأرواح العربي والذي قال ما قال وأكدته راشيل ولكن ظل الشك في هذا القول كعادة هذا الجمع العربي الذي لا يجتمع على مقال خاص بهم وها هو يذهب بطل الرواية في آخر المطاف ليبحث عن حل عند من يقول بنفس القول ولكن في زاوية قد تكون مختلفة في نظرنا عن وجه العدو ولكنه منهم ويحمل نفس الغرض في تمويه فيسمع له ولهرطقة احجياته وينتهي المطاف ويغلق آخر باب لآخر مشهد على هذا الرعاف النازف من رئة المخيمات اللاجئات التي تعيش في حارات ذهننا الخاص والعام.رواية ماتعة تحمل الكثير من الرؤى وتتيح الكثير من التأويل أيضا. وتبقى لغة الكاتب لها محمولها المعرفي المجازي ولها فلسفتها الخفية ولها ابعاد الرؤيا والتحرك بكل الجهات والأبعاد.
مشاركة :