نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية أقرت 4 ركائز لبناء الإنسان

  • 3/7/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

قال الدكتور يوسف عامر، نائب رئيس جامعة الأزهر لشئون التعليم والطلاب، إن الله قد خلق الإنسانَ وكرمه تكريمًا عظيمًا، فقال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"، مشيرًا إلى أنه بعد أنْ جمَّلَ صورتَهُ أرادَ سبحانه أنْ يُجمِّلَ معناه، وأنْ يبنيَ رُوحَهُ لتسمو هذه الرُّوحُ عن حضيض المادةِ، وليكونَ في أجملِ صورةٍ حسًّا ومعنى؛ فأرسلَ إليه الرسلَ والأنبياءَ، وأنزلَ الكتبَ لتزكيتِهِ ورفعةِ مكانتِه؛ وذلك لأنَّهُ مخلوقٌ له خصوصيةٌ، مركبٌ من عقلٍ وشهوةٍ، أرادَ اللهُ له الكمالَ الجِسمي والعقلي؛ حتى يقومَ بأداءِ مهمتِه خيرَ قيامٍ في عمارةِ الكونِ والحياةِ إذْ هو خليفةُ اللهِ في الأرض، قال تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، وهذه المهمةُ التي وُكِلَت إلى الإنسان تحتاجُ إلى أنْ يُقاوِمَ بعضَ تلك الرغباتِ النفسيةِوأضاف خلال كلمته في المؤتمر العلمي الدولي الثاني لكلية أصول الدين بالقاهرة، بعنوان "بناء الإنسان في التصور الإسلامي بين الواقع والمأمول"، المنعقد الآن، أن الشريعةُ جاءت على أربعِ ركائزَ لبناء الإنسان، وهي كالتالي:1- الإيمان: وهو الذي يحقق الفهم العميق، والإدراكَ الكامل لطبيعة الكون والحياة، والاعتقادَ الجازم بوجود إله واحد عظيم له وحدَه الهيمنة على هذا الكون؛ لأنه خالقُه ومصوّرُه، كما أن الإيمان يساعد على معرفة وإدراك الحكمة التي من أجلها خلقه الله، وهي العبودية الكاملة لله تعالى التي تضمن له التوازنَ النفسيَّ والجسمانيَّ فتتكامل مطالب الروح مع مطالب الجسد فيستطيع أن يحقق مراد الله ليَسْعد سعادة دنيوية وأخروية، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }.2- الشريعةُ عبادةً وعملًا وهذه الركيزة عامل مهم في بناء الإنسان وتزكيته، فقد جاء الإسلام بعدد من التكاليف الشرعية والأوامر والنواهي، وكان الهدف التربوي والتزكوي من وراء هذه الأوامر والنواهي؛ فالصلاة صلة روحية بين العبد وربه تُقوِّي إيمانَه وتجددُ عَلاقتَه بالخالق العظيم، وتجعله في صلة دائمة مع ربه فيَقْوى جانب اليقين الذي يدفعه لعمل الخير، ويتقوّي فيه جانب الإيمان الذي يدفع به قُوى الشرّ، والزكاة أيضًا شرعها الله تعالى ليستخرج من قلبه الحُبَّ الزائدَ للمال والحرصَ والطمعَ والأنانيةَ المفرطةَ من داخله لما جُبل عليه الإنسان من حبٍّ للبقاء والراحة، والمنفعة الشخصية، قال تعالى:{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]، فشُرِعت الزكاة طهارة للنفس من الشُح والبخل قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، وأيضًا شُرعت الزكاة للقضاء على الأَثَرة والأنانية، وليحل مكانهما الإيثار وحب الخير للناس قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].3- التزكيةُ والسلوك وهذه الركيزةُ هي لُب هذه الركائز، وقد نزلت الشرائعُ منذ آدم عليه السلام وحتى خاتمِ الأنبياءِ والمرسلينَ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم لتقويةِ هذا الجانبِ وتدعيمِه ومعالجةِ ضعفِه وتقويمِ النفسِ وإصلاحِها. وتتمثل التزكية فيما يُسمى التصوف والسلوك.فإذا كان الجسمُ يحتاجُ إلى أنْ يُعالَجَ بالدواء فإنّ النّفسَ في حاجةٍ إلى من يعالجُها بالتربية والتزكية وزرعِ صفاتِ الخير فيها، مثل المحبةِ والتواضع والتعاون والتخلق بالأخلاق الحسنة والاعتدال والتوازن بين مطالبِ الروحِ والجسد، ومن هنا تُصبحُ التربيةُ الروحيةُ في التصوفِ الإسلامي غايتَها الأساسيةَ بناءَ الإنسان، وإعدادَه لخير النشأتين الدنيا والآخرة، والانتقالِ به من نفْسٍ غير مُزكَّاةٍ إلى نفْسٍ مزكَّاة، ومن قلبٍ قاسٍ مريض إلى قلبٍ مطمئنٍ سليم، ومن روحٍ غافلةٍ عن ذكر الله إلى روحٍ عارفةٍ به قائمةٍ بحقوقِه، حريصةٍ على إرضائِه قولًا وفعلًا وسلوكًا وتصرفًا في الظاهر والباطن.وهذه التربية موكولة بالأساس إلى المُربين الّذين يُقدِّمون السلوك والأخلاق كأساس للتربية النفسية، ووسيلة لتحقيق المثل العليا، وما قام به علماء التصوف في هذا الميدان إنما هو جهد كبير، وذلك لمعالجة أمراض القلوب كما قام الأطباء بجهد في معالجة أمراض الأبدان؛ لأن النفس يعتريها المرض القلبي كما تعتري الجسمَ العللُ، بحيث تتفاوت هذه النفوس من حيث درجاتها وقربها من الله تعالى،فهناك: نفسٌ أمارةٌ بالسوء، ونفسٌ لوامة، ونفسٌ مطمئنة، ومن هنا كانت مجاهدةُ النفسِ لجعلِ النفسِ الأمارةِ بالسوءِ ترتقي إلى درجة أعلى، وكذلك النفسُ اللوامةُ لترقى وتصلَ إلى مرتبةِ النفسِ المطمئنة، وبتزكية النفسِ وطهارتِها يصيرُ الإنسانُ مستحِقًّا في الدنيا للأوصاف المحمودة، وفي الآخرة الأجرَ والمثوبة، ومن تركَ النفسَ برعوناتِها وركونِها إلى شهواتِها فإنه يكونُ مذمومًا في الدارين، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10]، أي فاز من طهرها من الذنوب، وطهرها من العيوب، وجمّلها بالعلم والعمل الصالح.4- إدراكُ الواقع: فالإنسانُ هو ابن زمانِه، وينبغي أنْ يتعلمَ من علوم الدنيا كما يتعلمُ علومَ الدينِ ليواكبَ عصرَهُ ولا يصطدمُ بواقعِه، لا سيما أنّ شريعةَ الإسلامِ صالحةٌ لكل زمان ومكان، وأنّ الانفتاحَ الذي جرّتهُ إلينا المدنيةُ الحديثةُ له أثره الإيجابي كما أنّ له أثرا سلبيًا في بعض الأحيان، ولكن ينبغي التوافق والتواؤم مع مجريات العصرِ ومستحدثاتِه وتراكماتِه المعرفيةِ والتقدميةِ بالضوابط التي تضمنُ سلامةَ الأصلِ ومواكبةَ العصرِ، والإمامُ الشافعي ضرب مثالا وأنموذجًا جليلا في هذا، حيث قال: مكثت عشرين سنة أطلب أيام الناس لأستعين بها على الفقه، ولذا كان لهذه المعايشةِ للعصرِ وإدراك الواقع من الأثر الجميل الذي خلد مذهبَه كما خُلدت بقيةُ المذاهبِ الفقهيةِ الأربعة، وقد كان للشافعي في العراق مذهب فقهي، ولما رحل واستقر بمصر تغيرت عنده بعض المسائل فيما عرف بعد ذلك بالمذهب الشافعي الجديد. واختتم بالتأكيد على أن هدفَ الشريعةِ أن تبني إنسانًا تتكاملُ فيه معاني الإنسانيةِ التي تكمنُ في الأخلاق والسلوك الإنساني، وبقدرِ تَمكِّنِ الإنسانِ من هذه الأخلاقِ بقدرِ كمالِ إنسانيتِه، وبقدرِ بُعدِه عنها بقدرِ الابتعادِ عن سمو الإنسانيةِ والانحطاط في درَك الحيوانية.

مشاركة :