وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مقابلة نظيره التركي رجب طيب أردوغان، الذي أصرّ وحضر إلى موسكو سعياً إلى وقف إطلاق النار الذي لم يستطع إعلانه من جانب واحد في ساحة المعركة، حيث فَقَدَ زخمه بعدما كان دفع بآلاف الجنود الأتراك على خط المواجهة ضدّ الجيش السوري وحلفائه، لأن عشرات الآلاف من الجهاديين المنتشرين في إدلب ومحيطها أثبتوا عدم تمكنهم من الدفاع عن المصالح التركية في شمال غربي سورية. وقد خرج أردوغان من المفاوضات التي استغرقت 6 ساعات فائزاً في بعض الجوانب ولكن بجناحيْن مخفوضيْن، إذ أظهر بوتين بمهارة للرئيس التركي ضعف قضيته التي جاء من أجلها وأن سورية ستبقى موحدة باعتراف الطرفين.وقال مصدر مطلع في «محور المقاومة»، إن «أردوغان أوقف إطلاق النار في إدلب ولكنه لم يتجرأ على إعلانه لأن ذلك كان سيكلّفه غالياً داخلياً. فهو خسر الحرب عندما فشل في استعادة سراقب والطريق البالغ نحو 70 - 80 كيلومتراً الذي يربط بين دمشق وحلب المعروف باسم الـM5. وهو أراد من بوتين أن يمدّ له السلّم لإنزاله عن الشجرة التي صعد إليها. وفهِم بوتين مراد أردوغان فأنقذ شريكه التجاري من الانكسار».وبمجرّد موافقة أردوغان على اتفاقية أستانة، فقد اعترف بالدور الإيراني الذي سينضم قريباً إلى قمة ثلاثية في محاولة لحلّ نقاط الاختلاف التي بقيت في ما يتعلق بالمنطقة العازلة في المحافظة الكردية وبالأخص في عين العرب (كوباني).وتم تفكيك حجة أردوغان حول اللاجئين الذين يتدفّقون إلى بلاده لأن بوتين يدرك، وهو جابه ضيفه بأنه يقوم بنقلٍ منظّم للأفغان والصوماليين والعراقيين السوريين وغيرهم إلى الحدود مع اليونان للضغط على أوروبا وسحب المال منها.ولم يسمح بوتين لضيفه بالمناورة حول طريقيْ الـM5 والـM4 اللذين كان من المفروض إخلاءهما من المسلحين بحسب اتفاق أستانة. وحرر الجيش السوري 210 قرى ومدن بالقوة. واتفق أردوغان مع بوتين على فتح الـM4 الذي يسيطر عليه الجهاديون وهذا انتصار كبير للجيش السوري رغم الشكوك الجدية بأن الجهاديين لن يسمحوا بتأمين الطريق للمدنيين والذي ستبدأ الدوريات الروسية - التركية بمهماتها عليه بعد الخامس عشر من الشهر الجاري. ووفق المصدر المطلع، فإذا فشلت تركيا بفتح طريق الـM5 واحترام الاتفاق، فإن روسيا لن تتردد مع حلفائها بإعادة السيطرة عليه بالقوة ولكن هذه المرة من دون تدخّل الجيش التركي. وقد حاولت أنقرة وقف التقدم السوري بكل قوتها من دون أن تنجح بذلك. وحضر أردوغان إلى موسكو لأنه أراد وقف المعركة والخسائر التركية وتفادي كسر هيْبته بالكامل في سورية. واليوم لم يعد بإمكانه الرفض بعد معركة إدلب وسراقب القاسية. وقد أخبره بوتين أن جنوده الـ33 تواجدوا مع جهاديين ولم يبلغ الروس بذلك بحسب الاتفاق العسكري بين الطرفين. وتالياً لم يستطع الرئيس التركي الرد على نظيره الروسي الذي جعل من أردوغان المسؤول المباشر عن قتل الجنود، في حين أن أردوغان حاول اتهام الجيش السوري بذلك لتجنّب المساءلة المحلية. وكذلك أجبر بوتين نظيره التركي على الاعتراف بعدم نجاحه في الوفاء بوعده بفصل الجهاديين عن المعارضة وهو ما شكّل فشلاً واضحاً في احترام اتفاق أستانا.هل ستنجح تركيا بفصل الجهاديين عن الآخَرين؟ وهل ستفتح طريق الـM4؟لم يعد مهماً بحسب قراءة «محور المقاومة» الالتزام التركي من عدمه. فإذا فشلت أنقرة في ذلك، فإن روسيا ستفتح الطريق بالقوة النارية وتستأنف العمليات العسكرية وتندفع نحو مدينة إدلب. ولن يكون أردوغان في وضع يسمح له بالتدخل لمصلحة الجهاديين ولن يضع جيشه تحت رحمة القصف الروسي - السوري.ووفق القراءة نفسها، فقد ارتكب أردوغان خطأ حياته من خلال الدخول إلى أرض المعركة بجشيه، فهو سمح للجيش السوري بقصف المواقع التركية وتدمير الطائرات المسيّرة. وغنم الجيش السوري آليات تركية وقتل ضباطاً وجنوداً أتراكاً وكسر «الخطوط الحمر». وتالياً أصبح سهلاً على الجيش السوري مواجهة الجيش التركي مرة أخرى. أما النقطة المهمة، فإن الجهاديين أدركوا أن تركيا لم تعد في وضع يسمح لها بالدفاع عنهم أو عن قضيتهم. ولم يتبق أمامهم سوى خيارات قليلة: القتال حتى الموت أو المغادرة إلى الشمال الشرقي حيث لا تزال تركيا تسيطر على أراض سورية.وفي ما يتعلق بنقاط المراقبة التركية الـ14 الواقعة في المناطق السورية المحرَّرة، فإنها ستظلّ قائمة طالما رغب أردوغان، وبذلك سمح بوتين بتجنب إظهار الرئيس التركي منكسراً لأن روسيا تريد الإبقاء على مستوى التعاون التجاري والعلاقة الطويلة الأمد مع تركيا.وكشف المصدر المطلع، أن بوتين أدرك أن حلف الناتو والمجتمع الأوروبي تخلوا عن تركيا، فحفِظ ماء وجه ضيفه الذي لم يتردّد بطلب المزيد من التنازلات في شمال - شرق سورية حيث تتواجد أميركا حول مناطق النفط وتسلبه من سورية. إلا أن طلب أردوغان رُفض لأن بوتين أراد ترْك الباب مفتوحاً لعودة الابن الضال الكردي إلى حضن الدولة السورية. ويدرك الرئيس الروسي أن أميركا لن تستطيع البقاء إلى الأبد في سورية تأخذ نفطها، ولذلك أجبر اردوغان على الاعتراف بوحدة الأراضي السورية، كل الأراضي. ويبدو أن ملف مشاركة الأكراد في اجتماع اللجنة الدستورية تقدّم بعدما كان الرئيس التركي يرفض مشاركتهم. فهدف بوتين مساعدة الأكراد للعودة إلى كنف الدولة السورية والابتعاد عن أميركا التي ستغادر سورية عاجلاً أم آجلاً.قدّم بوتين القوي يدَه إلى أردوغان الضعيف الذي حاول اللعب في ملعب الكرملين. ويدرك الرئيس الروسي أنه يفترض أن يأخذ الحذر بتعامله مع وعود أردوغان. إلا أن تركيا تدرك أيضاً أن روسيا ستضرب بشدة في المرة المقبلة إذا انتُهك اتفاق أستانة وأن حلفاء بوتين في سورية سيكونون أكثر يقظة في أي مواجهة مستقبلية ضد الجيش التركي. لكن هناك شيئاً واحداً أكيداً، وفق المصدر نفسه، وهو أن الجهاديين فقدوا أباً في سورية ولم يعد بإمكان أردوغان تقديم الحماية لهم لأنه يتطلع إلى الخروج من المأزق بأقلّ عدد ممكن من الكدمات «لقد كان أردوغان رأس الحربة لقلب النظام منذ بداية الحرب، وحان وقت الاستدارة».
مشاركة :