تجربة خاصة تجمع الممثلة والكاتبة رائدة طه بالمسرح، فقد تتبعت حلمها في الوقوف على الخشبة، لتطرح من خلال «أبوالفنون» القضايا التي تمس حياتها، إذ تقف على المسرح بعفوية طفلة، وتكتب عن حياتها وذكرياتها وفلسطين ونضال والدها الشهيد بموضوعية وصدق ودون أدلجة أو أي سطوة للكليشيهات أو البراويز. ووصفت رائدة في حوار لها مع «الإمارات اليوم» خلال زيارتها الأخيرة لدبي، التي عرضت خلالها عملها الأخير «شجرة التين»، المسرح بالمنبر الحر والمتاح لطرح القضايا وليس لإيجاد الحلول، معتبرة أن المسرح ليست له خلطة محددة، والنجاح يتطلب الإصرار والإتقان. وعن مسرحيتها الأخيرة، قالت: إن «قصتها ليست حكايتي الكاملة، بل هي جزء من كثير، وفصل من قصة حياتي، بعيون طفلة عمرها يراوح بين ثلاث وسبع سنوات، إن العمل رواية لحكايات تمتد من فترة ما قبل العودة إلى ما بعدها، وانعكاس من قصص (ألاقي زيك فين يا علي)، فالقصص الحياتية لا تنتهي، بدءاً من قصتي وصولاً إلى حكايا كل الفلسطينيين». منبر للجميع تعمل رائدة طه على طرح التجربة الذاتية على الخشبة: «فالمسرح هو المنبر المهم جداً والمتاح لأي إنسان لطرح قضاياه، إنه مادة للتفكير ولكنه ليس مكاناً للحلول، إذ يمكن للمرء أن يختار الشخصية التي يريدها، فهناك حرية كبيرة، وتعاطٍ مباشر مع المتلقي، وهذا مهم لأنه يمنح المشاهد الفرصة للتفكير، فالمسرح رسالة مهمة جداً، ومختلف عن كل التجارب، ويعطي الممثل والمتلقي معاً الفرصة لمناقشة أصعب القضايا، والبحث في الفكر». ولا تجد رائدة طه أن «أبوالفنون» قد قل بريقه في هذا العصر المحكوم بالسرعة وبسطوة وسائل التواصل الاجتماعي على كل جوانبه، مضيفة: «لا أعتقد أن المسرح خفت دوره في لندن أو أميركا أو أوروبا، إذ إن له صدقية واحتراماً خاصاً جداً، ومازال قوياً وله قيمة ثقافية عالية، فكثيرون يحجزون التذاكر قبل مدة من سفرهم، وهناك مسرحيات تعرض لسنوات». وتابعت: «لابد من الإشارة إلى أن المسرح هو تجربة تراكمية، لا تولد في أيام معدودة، بل تجربة مبنية على اعتياد المجتمع ثقافة المسرح واحترامها، وفي العالم العربي هناك أماكن قليلة تعطي للمسرح دوره، ومع الوقت سيصبح هناك تراكم يعطي له مكانته الثقافية». ولفتت رائدة طه إلى أن «المسرح في هذه الأوقات هو مقاومة بحد ذاته، فهو سلاح من نوع آخر، وبحسب محمود درويش، سقطت كل الشعارات وليتقن كل شخص ما يفعل ليكون هذا نوعاً من المقاومة الثقافية وليس فقط الوطنية، فالمسرح نوع من أنواع النضال والمقاومة، ولكنها مقاومة ثقافية أدواتها الخشبة والفكر». السهل الممتنع ترى رائدة طه أن تقديم أي شخصية على المسرح تجربة تتطلب الكثير من البحث، والإخلاص لما يقوم به الممثل، إذ قد يبدو العمل على الخشبة أنه يقدم في قالب سهل، ولكنه واقعياً صعب جداً، أو يمكن وصفه بـ«السهل الممتنع، إذ تستغرق المسرحيات وقتاً طويلاً في البحث والتمرينات اللازمة». وأوضحت أن العمل على المسرح بشكل مونودرامي يجعلها متقنة لأدواتها، التي تختصرها في الإخلاص والإصرار واتقان العمل الجيد، وعدم التهاون، وعدم أخذ الجمهور على محمل المضمون، ففي كل عمل تشعر بالمسؤولية والخوف الكبير. ولفتت إلى أن الفنان الذي يحترم عمله ونفسه لا يكون واثقاً بما يقوم به في كل مرة، إذ يجب أن تكون لديه شكوك وأسئلة تتعلق بالطرف الآخر وهو المتلقي، مشيرة الى أنها تقف على خشبة المسرح وهي دائمة الإخلاص والقناعة الذاتية بما تقدم، وهذا يعتمد على مدى إخلاصها وعملها على المتلقي، فلا تضع أي هدف، إذ إن هدفها الأساسي أن تكون صادقة مع نفسها، ومخلصة للقصة التي ترويها، فلا تضع نفسها في قالب النجاح، إذ تبقي احتمالية الفشل. أما الشغف بالمسرح وبعد سنوات من العمل فيه، فلا ينضب عند رائدة طه، لأنها تنقل الرواية الفلسطينية من منطلق إنساني جداً من دون شعارات وكليشيهات، بل من المعيشة اليومية التي تتحدث عن كثيرين من الناس، «إذ أعرض الإنسان الفلسطيني دون وضع إطار حوله، وخلف هذه الحقيقة هناك حياة كاملة، وألم وفقدان وحرمان وفرح وسعادة وتعامل مع اللحظات والدقائق اليومية الخاصة به»، فهدفها هو نقل اليوميات بكل بساطتها. وأكدت أنها مكتفية بتجربتها في الكتابة والتمثيل في الوقت الراهن، ولا تسعى إلى الإخراج في هذه المرحلة، بل سعيدة ومحظوظة بالمخرجين الذين تعاطت معهم. درويش.. نجمة تشع فوق رأسي تحبّ المبدعة رائدة طه القراءة عموماً، والشعر على نحو خاص، إذ ترى أن الاطلاع شيء أساسي للمسرحي، فهي فرصة لمعرفة ثقافات أخرى، والقراءة سفر وتجربة فريدة. وقالت: «أحب الشعر وهذا خيار خاص، وعندما اكتشفت الشعر وجدت حولي أناساً كنت محظوظة بهم فكان محمود درويش صديق كبير جداً، وهو من علمني كيف أقرأ وماذا أقرأ، والإحاطة بأناس مهمين هي حظ، وتتطلب الاجتهاد». وعن درويش بشكل خاص، أضافت: أنه «النجمة في السماء التي دلتني على الطريق ومازالت تشع إلى اليوم فوق رأسي، ولا يمكن اختصاره بالقليل من الكلام، ولكنه فعلاً نجمة في السماء لي ولكثيرين، وقد كنت محظوظة بصداقته، وكان مؤمناً بموهبتي، ودائم التشجيع لي، وكنت أتمنى لو أنه حي ويراني على خشبة المسرح». رائدة طه قدمت خلال زيارتها لدبي عملها الأخير «شجرة التين». الفنانة مكتفية بتجربتها في الكتابة والتمثيل في الوقت الراهن. رائدة طه ترى قصتها مجرد فصل من حكايا كل الفلسطينيين.ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :