تشيّد الكاتبة والممثلة الفلسطينية رائدة طه بمفردها على خشبة المسرح بيتاً فلسطينياً بعمرانه وأثاثه وصوت بحر حيفا من ورائه، وتستعيد سكانه قبل ما يعرف بالنكبة لتحكي من خلاله قصة عائلتين فلسطينيتين تشكلان رمزاً للقضية وشتات ناسها. شهادات قال المخرج اللبناني جنيد سري الدين: «رائدة طه لديها القدرة على أن تأتي بفلسطين إلينا. نرى البيت والمدينة وفلسطين والماضي من خلال الشخصيات التي تلعبها على المسرح، فالقصة قصتها، وهي لديها طاقة بالحكي». زينة عواد قالت بعد مشاهدتها المسرحية: «المسرحية قوية وتاريخية.. رائدة تعبر عن كل المشاعر التي يمكن أن يشعر بها الشعب الذي عاش هذه المأساة. نشعر أننا نعيش معها القصة نفسها وهي تعيش أكثر من شخصية في المسرحية ذاتها». أما عماد عبود، اللبناني المقيم في أستراليا والذي يقضي عطلة في بيروت، فقال: «على مدى ساعة ونصف الساعة استطاعت (رائدة) أن تتحكم في المسرح، واستطاعت أن توصل لنا قصتها. كل موضوع وكل فكرة وكل شخصية استطاعت أن توصلها بطريقة فنية، وفي الوقت نفسه جذبت الشعور والعاطفة للقضية». تدور أحداث المونودراما (مسرحية الممثل الواحد) في حيفا زمن هجرة الفلسطينيين من أرضهم عام 1948، وتحديداً في شارع يحمل اسم العمل المسرحي «36 شارع عباس - حيفا»، وهو عنوان منزل العائلتين. تبدأ المسرحية، التي استمرت على مدى ساعة ونصف الساعة، بالنشيد الاسرائيلي وتنتهي بالنشيد الفلسطيني في دلالة على استمرارية فلسطين وزوال إسرائيل. انطلق عرض المسرحية على مسرح المدينة في بيروت في 28 سبتمبر الماضي، ويستمر حتى 15 اكتوبر الجاري، وتؤدي فيه رائدة طه أدواراً لشخصيات عدة على الخشبة، وتتنقل بين الزمن من النكبة إلى النكسة، ثم فلسطين الحالية وواقعها. كتبت طه هذا النص عن تجربة شخصية، فيما تولى الإخراج اللبناني جنيد سري الدين، محولاً بنيته إلى مونودراما حكواتية تحتوي على قصص تأخذ شكل الكوميديا السوداء. على خشبة المسرح تدخل رائدة طه إلى منزل يقع في شارع عباس في حيفا، وتنقب بين محتوياته لتروي قصة عائلة أحمد أبوغيدا لدى مغادرتها حيفا عام 1948. في تلك الحقبة تقول طه في المسرحية إن الناس شاهدوا «سفناً حاملة فلسطينيين رايحين، وسفناً حاملة يهود جايين». تتشتت العائلة الفلسطينية على دول عدة، ويحتل منزلها رجل نمساوي يدعي ابراهام، ومنه يشتري المحامي الفلسطيني علي الرافع شقة يسكن فيها إلى الآن مع زوجته. ومن هنا تبدأ فصول المسرحية وتحتدم بعد تصميم عائلة الرافع على إعادة المالكين الأوائل إلى منزلهم. لم تشعر سارة زوجة الرافع يوماً بالانتماء إلى تلك الدار، وكانت تعمد دائماً إلى تربية أولادها على أن هذا البيت ليس لهم. وتعالج المسرحية جدلية الشتات الفلسطيني من منظار عائلة الرافع التي بقيت في حيفا وحملت الجنسية الاسرائيلية، وعائلة أبوغيدا التي طردت من مدينتها وأصبحت في عداد اللاجئين. ويشكل شارع 36 عباس - حيفا للعائلتين الوطن الضائع. وترتدي طه شخوص المسرحية بإتقان، وتحاكي زمناً مؤلماً يطل من بين سنواته والدها الحقيقي علي طه الذي انطلق من مطار اللد لخطف طائرة إسرائيلية عام 1972. وقالت طه في مقابلة مع «رويترز»: «لقد كنت شاهدة على تطور هذه القصة، وزرت حيفا وأجريت الكثير من المقابلات مع أصحاب الشأن حتى صار النص جاهزاً». وأضافت «في هذه المسرحية أحكي عن (أراضي) 48.. مناطقنا في الداخل.. عن فلسطينيتنا.. عن هؤلاء الناس الذين دائماً أحس أنهم معزولون عن الشاشة، هؤلاء الناس المتهمون فقط لأنهم فرض عليهم أن يحملوا باسبوراً (جواز سفر) إسرائيلياً». ومضت تقول: «لا أحد يفكر في أن هؤلاء هم الذين صمدوا وقعدوا ولم يتركوا بيوتهم وحافظوا على أرضهم. طبعاً الذين خرجوا 750 ألف فلسطيني طردوا وهجروا من حيفا، خرجوا غصباً عنهم وليس برضاهم». وتابعت «هذه القصة حقيقية، تفاصيلها تقريباً كلها حقيقية، وأنا أعرف فؤاد أبوغيدا تعرفت إليه عندما جاء إلى حيفا». ولدت رائدة طه في القدس وغادرتها إلى عمان في حرب 1967، ثم إلى بيروت فالولايات المتحدة، حيث نالت شهادة الماجستير في الإعلام، قبل أن تعود إلى رام الله وتشغل منصباً إدارياً في إحدى المؤسسات الثقافية.
مشاركة :