الثقافات الفرعية.. نعمة ونقمة

  • 6/9/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا يكاد يخلو مجتمع من وجود ثقافات فرعية فيه، في إطار الثقافة العامة التي توحّد هذا المجتمع. حتى أكثر المجتمعات تجانساً وانسجاماً، من حيث التكوين الديني أو المذهبي أو الاثني، تنطوي على ثقافات فرعية قوامها الاتجاهات المختلفة سياسياً وفكرياً، التي لا تتنازع على وحدة الثقافة الوطنية للمجتمع، لكنها تسعى للاعتراف بها مكوناً من مكونات هذه الثقافة. الأمر يصبح أكثر تعقيداً في المجتمعات التي تتّسم بتعدديات طائفية وإثنية وجهوية، وهي ليست سمة خاصة بالمجتمعات النامية وحدها، لكن حتى بالمجتمعات الأكثر تطوراً. ليست مصادفة أن مفكراً بوزن غرامشي اهتمًّ كثيراً بدراسة معضلات الجنوب الإيطالي الأقل نمواً بالقياس بالشمال، وفي هذا نوع من الانشغال بما يمكن أن نعدّه ثقافة فرعية، لا بهدف تمجيدها أو الإعلاء من قدرها، مقارنة بالثقافات الفرعية الأخرى، وإنما لتسليط الضوء على إشكاليات العلاقة بين هذه الثقافات. جزء من معضلات التحول الصعب، والدامي في بعض أوجهه، في عالمنا العربي عائد إلى التعامل الخطأ مع هذه الإشكالية، بصورة مزدوجة أو من جهتين: الأولى تحدث حين تنزع الحكومات،في كثير من الحالات، نحو تهميش وتجاهل ممثلي الثقافات الفرعية في المجتمعات، خاصة إذا كانوا يشكلون أقليات، وعدم الاعتراف بحقوقهم الثقافية واللغوية وطقوسهم الدينية، والجهة الثانية حين تخرج حدود المطالبات بهذه الحقوق من قبل أصحابها، أي الجماعات التي تشكل هويات فرعية، من إطارها المشروع والعادل لتبلغ حدوداً متطرفة، خاصة وسط تظاهر جهات أجنبية بتبنّي حقوق هذه الأقليات، وتشجعيها على التمرد على السلطات أو على ممثلي الهويات والثقافات المهيمنة، ما أدى ويؤدي إلى تقويض الكيانات الوطنية. تكون الثقافات الفرعية نعمة على الأوطان والمجتمعات حين يجري الاعتراف بها، وبحقوق من يمثلونها، لأنها تشكل ثراء ثقافياً وتعددية حضارية، على النحو الذي أضافه وجود المسيحيين في المجتمعات العربية المسلمة في غالبيتها، حيث لا يمكن النظر إلى المنجز الحضاري والثقافي للعالم العربي، بعيداً عن إسهام الأقليات المسيحية في صنعه، وهي إسهامات اقترنت في حالات كثيرة بالريادة. ويؤدي التعامل الخطأ، بل والمتعسف، مع هذه الثقافات الفرعية وممثليها إلى مصدر نقمة وخراب على المجتمعات، كما تظهر ذلك التطورات العربية في بلدان عربية عدة، ما يؤكد أن الحل هو في نبذ الشمولية بكل صورها، والإقرار بالتعددية ومبدأ النسبية الثقافية التي تحتوي الجميع في نسيج المجتمعات. madanbahrain@gmail.com

مشاركة :