كم من الأمور التي نعايشها كل يوم وكم من المواقف والأحداث التي تمر علينا في حياتنا منها ما أسعدت قلوبنا، ومنها ما تركت حزناً في نفوسنا، وكيف يمكن لذاكرتنا البشرية أن تحيط بكل ما عشناه ومر بنا، وهل يمكن للنسيان أن يريح أفئدتنا ويعدل أمزجتنا، وكيف يمكن أن نوازن بين ذاكرتنا والنسيان. فكما أن ذاكرتنا هي السلاح الذي يساعدنا على العمل والإنجاز، فإن النسيان في المقابل هو سلاح يقينا من نتائج تذكر ما يؤلمنا ويتعب نفسياتنا ويترك آثاره السلبية على حياتنا. يختلف الناس في قدراتهم على النسيان كما يختلفون في قدراتهم على التذكر. وبالتالي فالنسيان ظاهرة طبيعية تصيب جميع البشر، ومعناه عدم استحضار معلومة من المعلومات عند الحاجة إليها وفي الوقت المناسب. يقول عالم الأعصاب الأميركي والحاصل على جائزة نوبل في الطب ايريك كاندل: إن العقل يقوم في كل لحظة بفرز المعلومات التي تصل إليه وتصنيفها ليتخلص من كل ما لا يحتاج إليه، ويحتفظ بالمعلومات الضرورية. وعليه فإن النسيان ضرورة حياتية كما أن التذكر ضرورة حياتية أيضاً. ولكن ماذا لو أصبح النسيان متكرراَ، وترك تداعياته السلبية على حياتنا، وفي هذه الحالة يصبح حالة مرضية تستوجب العلاج. إن النسيان الطبيعي هو النقيض للنسيان المرضي، فنحن لا نستطيع أن نتعلم أشياء جديدة ونتكيف مع المواقف الطارئة إلا إذا نسينا مؤقتاً تجاربنا السابقة التي مررنا بها. أما النسيان المرضي فهو ظاهرة سلبية تعيق نشاطات الأفراد وفعالياتهم. حيث يُرجع العلماء النسيان المرضي إلى أسباب صحية وأسباب نفسية مثل القلق والتوتر والاكتئاب وقلة النوم وسوء التغذية أو التعرض لأزمات انفعالية أو أمراض دماغية وكذلك الوراثة والشيخوخة، ومن الأسباب أيضاً عدم التركيز في تثبيت المعلومة وكثرة الأعمال والمسؤوليات وتزاحم الأفكار في الذهن وغياب القرائن بمعنى ربط المعلومة بأشياء ومواقف تساعدنا على استحضارها عند الحاجة. ولعلاج النسيان وتنشيط الذاكرة ينصح بما يلي: 1 - وضع جدول مناسب لترتيب أداء الأعمال حسب أهميتها وتجنب زيادة الأعمال والمهمات حتى لا نقع فريسة الفوضى ومن ثم النسيان. 2 - تدريب وتطوير الذاكرة بحيث لا نجعل كل شيء مكتوباً إلا المواعيد والأمور الضرورية. 3 - ثق بقدرتك على التذكر عن طريق إعطاء نفسك فرصة كافية لتنبيه الذاكرة فالأمر الذي لا تتذكره اتركه فترة قصيرة وفكر في شيء آخر فربما كان هناك ما يمنع التذكر. 4 - كن منتبهاً واستمتع بما تقرأه فالفهم يساعد على التذكر. 5 - راجع المعلومات من وقت لآخر وردد ما تقرأ فإن ذلك يقوي الذاكرة. 6 - لا تقرأ أو تكتب عندما تكون مرهقاً أو بعد الطعام لتفهم ما تقرأه ويترسخ في ذهنك. 7 - قلل من استخدام الهاتف النقال قدر الإمكان. 8 - مارس الرياضة والهوايات المحببة لديك وألعاب تنشيط الذاكرة من مثل الشطرنج والكلمات المتقاطعة. 9 - تناول الغذاء الصحي واهتم بصحتك العامة وابتعد عن الإجهاد والسهر . وعلى الرغم من أن المخ البشري يستطيع هزيمة أفضل حاسب آلي فإن الكم الهائل من المعلومات والمعارف، التي نتعرض لها كل يوم تجعل النسيان ظاهرة طبيعية بالأساس وهو نسيان إيجابي يجعلنا نتخلص من كل ما هو سلبي في ذاكرتنا، وفيه علاج للكثير من الصدمات والمواقف المؤثرة كالوفاة مثلاً. ومن ناحية أخرى، قد يتحول هذا النسيان إلى حالة مرضية أو نسيان سلبي، عندما نصبح غير قادرين على تذكر الأشياء والمعلومات المهمة في حياتنا وينطبق على ذلك مقولة «آفة العلم النسيان»، وهذا يتطلب معالجة أسبابه الصحية والنفسية من قبل الاختصاصين. ونختم بقول مؤلف كتاب «أمراض الذاكرة» جان دولاي: «النسيان حارس الذاكرة فبفضله تتجدد الذكريات ويستطيع الإنسان أن يُبقي على الذكريات الجديدة مع فقدان كل ما ليس ضرورياً». فهل النسيان نعمة لنا أم نقمة تصيبنا؟ * مدرب الحياة والتفكير الإيجابي Twitter : t_almutairi Instagram: t_almutairii talmutairi@hotmail.com
مشاركة :