حرية القول لا تعني حرية الفعل!!

  • 6/9/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

اعتاد بعض مثقفي القراء إمدادي من حين لآخر، بشيء من تعليقاتهم الثرية حول ما يقرؤون في أفياء، وفي بعض الأحيان تثير لدي تلك التعليقات مزيدا من التفكير حول ما كتب مما يصلح لأن يكون موضع نقاش وتحاور. القارئ سعيد القحطاني واحد من أولئك القراء، بعث لي معقبا على مقال أفياء المنشور يوم الأربعاء الماضي بعنوان (النفاق أو الموت)، الذي كانت فكرته تناقش إنكار بعض الناس لأي مفهوم آخر للحرية غير أنها تقابل (العبودية)، حيث لا مكان لديهم لمعنى حرية التعبير والتفكير والعقل والاختيار والمعتقد وغير ذلك من أشكال الحرية، وهذا الإنكار منهم ما كان ليضير، لولا أنه غالبا يرافقه إصرار على فرض مفاهيمهم ومعتقداتهم على كل أحد، فإن لم يقبل بها آذوه وربما قاتلوه، مما يدفع بكثيرين إلى النفاق مدعين باطلا اتباع قولهم لمجرد اتقاء أذاهم وبطشهم. وهذا القارئ يقول في تعقيبه: «كل من قرأ مقالك يشعر أنك مع الحريات إلى أعلى درجة وبدون سقف وخطوط حمراء»، ثم يقول: «أنا أؤمن أن لا إفراط ولا تفريط وخير الأمور الوسط حتى في قضايا الحريات». الأخ سعيد يؤمن أن الصواب في موضوع الحرية هو التوسط حيث لا إفراط ولا تفريط. ولكنه نسي أن يضيف أمرا مهما، وهو كيف يمكن أن تقاس نقطة الوسط؟ وما المعيار الذي تقاس به؟ ومن له صلاحية ذلك، فأحيانا ما نعده وسطا يعده غيرنا تطرفا، والعكس أيضا صحيح، فمن الذي له القول الفصل في تحديد نقطة الوسط؟ قد يقول بعضكم إن الشرع هو المعيار الذي تقاس به نقطة الوسط، فما وافق الشرع عد وسطا وما خالفه عد تطرفا، لكن هذا القول يصلح لو أن كل أحكام الشرع كانت ثابتة متفقا عليها، أما وهي في بعض منها تتفاوت من فقيه لآخر وفق تفاوت الفهم للأحاديث والتفسيرات، فإن هذا القول يزيدنا لبسا وحيرة في تحديد معيار قياس تلك النقطة، فضلا عن أننا نبحث عن معيار عام يطبقه الجميع وليس المسلمون وحدهم، فهل يصلح الاحتكام إلى الشرع لأن يكون معيارا عاما يرجع إليه كل أحد بما في ذلك الأمم غير المؤمنة؟ الأمر الآخر، هو أن (حرية التعبير) المشار إليها في المقال المذكور لا تعني (حرية الفعل)، حرية الفعل تتضمن عدم الاكتفاء بالتعبير عن الرأي، وتجاوز ذلك إلى اتخاذ تصرف عملي، مثلا، حين يكون في المجتمع نظام لا تراه عادلا، فإن (حرية الفعل) تعني أن لا تكتفي بنقد النظام والمطالبة بتغييره وإنما تتجاوز ذلك إلى تحديه بالامتناع عن التقيد به. أما (حرية التعبير) فإنها لا تتجاوز حد القول، وليس من طبيعتها الاعتداء على حرية أحد أو ملكيته أو كرامته، مثلا حين تقول لي: (دينك لا يعجبني) هذه حرية تعبير عن الرأي لا تضيرني، وهي تختلف عما لو قلت: (دينك ظالم)، لأنك في هذه العبارة لا تعبر عن رأيك وإنما تتهم، وشتان بين التعبير عن الرأي والاتهام!!.

مشاركة :