حلمي موسى انتهت الانتخابات العامة المعادة في الكيان للمرة الثالثة خلال عام واحد بنتيجة مكررة تقريباً ترسخ الأزمة السياسية القائمة ولا توفر مخرجاً جوهرياً منها. وعلى الرغم من حصول الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو على مقاعد أكبر من الانتخابات السابقة فإن معسكر اليمين الذي يترأسه، من دون ««إسرائيل» بيتنا»، لم ينل إلا 58 مقعداً.سبق لليمين أن نال 59 مقعداً في انتخابات إبريل/نيسان عام 2019، ولم يتمكن من تشكيل ائتلاف حكومي. ومنطقي الافتراض أنه سيعجز هذه المرة أيضاً عن تشكيل حكومة، خصوصاً وأن زعيم «إسرائيل بيتنا»، أفيجدور ليبرمان فجر قنبلة سياسية جديدة؛ بإعلان ميله لترشيح بني جانتس لتشكيل الحكومة المقبلة؛ منعاً لانتخابات معادة رابعة. ولكن دعم ليبرمان ل«أزرق أبيض» ليس كافياً لتشكيل الحكومة المقبلة من دون دعم «القائمة العربية المشتركة» التي نالت في الانتخابات 15 مقعداً. وواضح أن تباهي نتنياهو بنيل 58 مقعداً، وبصفة الحزب الأكبر في الكيان، اصطدم بحقيقة عجز معسكره اليميني عن تشكيل حكومة بشكل منفرد. وهناك قناعة واسعة بأنه من دون النجاح في تحقيق اختراق في معسكر الوسط، ومن دون استعادة ليبرمان إلى معسكر اليمين لن تكون هناك حكومة يمينية. ولكن هذه القناعة لا تدفع، بالمقابل إلى استسهال القول إن الطريق إلى تشكيل حكومة جديدة بزعامة بني جانتس صارت مفتوحة. عقبة ليبرمان صحيح أن عداء ليبرمان لنتنياهو ووعوده بعدم الانضمام لحكومة تضم الحريديم قربته من بني جانتس و«أزرق أبيض» ولكن ذلك لم يمنع ظهور عقبة كأداء اسمها التناحر بين ليبرمان والقائمة العربية المشتركة. ومعروف أن ليبرمان خاض على مدى العقدين الأخيرين معاركه الانتخابية على قاعدة الصدام مع المواطنين العرب في الكيان، ودعوته إلى الترانسفير أو التبادل السكاني. وقاد ذلك إلى إعلان القائمة المشتركة أنها لن تقبل البتة دعم حكومة يكون فيها ليبرمان وزيراً. وهذا ما أبقى أمام «أزرق أبيض» عملياً خيار تشكيل حكومة أقلية بالشراكة مع حزب العمل - ميرتس - غيشر بدعم خارجي من «إسرائيل بيتنا» والقائمة العربية المشتركة. وتنال الحكومة في هذا الحال دعم 62 نائباً في الكنيست ولهدف واحد وهو منع نتنياهو من تشكيل الحكومة وسن قانون يمنع متهماً جنائياً بالترشح لتأليف حكومة.وواضح أن أي حكومة من خارج معسكر اليمين، سواء كانت حكومة أقلية أو حكومة وحدة وطنية، ستكون انتقالية وغير مستقرة لوقت طويل. وهي على خلاف حكومات اليمين التي كانت تعمل بدأب على تعزيز الاستيطان، وفرض وقائع على الأرض؛ لمنع «حل الدولتين» ستحاول إظهار موقف أقل تطرفاً في هذا الشأن. وقد حاول بني جانتس السير بين تعقيدات الساسة الصهاينة من دون أن يتبلل حينما أعلن تأييده ل«صفقة القرن» من جهة، وإصراره على إيجاد الدعم الدولي من جهة أخرى. وخلافاً لزعيم الليكود، نتنياهو، الذي أعلن أنه لا يهمه انهيار السلطة الفلسطينية، ولا إلغاء معاهدة السلام مع الأردن، فإن بني جانتس يعرض اهتماماً بالعلاقة مع كل من الأردن والسلطة الفلسطينية. عجز «أزرق أبيض» ولكن قبل مناقشة أثر الانتخابات «الإسرائيلية» في مجريات السياسة مع الفلسطينيين لا بد من الإشارة إلى أن ذلك ينقسم فعلياً إلى قسمين. الأول يعتمد على موقف «أزرق أبيض»، وبالتالي الحكومة التي يمكن أن تتشكل برئاستها من المواطنين العرب في الكيان. والثاني يعتمد على رؤية الحل للصراع العربي الصهيوني على أساس «حل الدولتين». وواضح أنه يصعب الحديث عن وجود وضوح في هذا الشأن لدى «أزرق أبيض» وقيادته. وهذا بعكس ما هو قائم في معسكر اليمين الذي يعلن جهاراً نهاراً أنه يطمح إلى ضم كل الأراضي المحتلة، ويرفض جوهرياً حتى «صفقة القرن» و«حل الدولتين». ويرى اليمين أن العرب يعدون من مواطني الدولة العبرية إلا أن الجوهر هي الأغلبية اليهودية، وليس احتساب الأصوات العربية.وأظهرت المعركة الانتخابية عجز زعامة «أزرق أبيض» التي تضم ثلاثة من رؤساء الأركان السابقين عن اعتبار القائمة العربية المشتركة شريكاً شرعياً في الحكم. ومن الجائز أن شعور عرب 48 بأن كل الأحزاب الصهيونية تناصبهم العداء خصوصاً بعد سن قانون القومية هو ما أخرجهم عن صمتهم، ودفعهم للتصويت بكثافة للقائمة المشتركة؛ لتغدو القوة الثالثة في الكيان. وقد نالت القائمة المشتركة في الانتخابات مقاعد أكبر من تلك التي نالتها بقايا ثلاثة أحزاب مؤسسة للكيان؛ هي: حزب العمل وميرتس ويمينا. ومعروف أن حزب العمل هو ما بقي من حزب «مباي»، وميرتس هو ما بقي من حزب «مبام»، و«يمينا» هو ما بقي من حزب «المفدال». وكانت النتائج الأولية المحابية لليمين قد دفعت قادة من الليكود ويميناً إلى الإعلان عن أن الحكومة الجديدة ستكون حكومة «فرض السيادة»، في إشارة للوعود التي قطعها نتنياهو بإقرار ضم غور الأردن والكتل الاستيطانية؛ بل إن نفتالي بينت كوزير للحرب أمر بمنع الفلسطينيين من توسيع الأبنية الجديدة حتى في المنطقة «ب». ولكن خطوات اليمين عموماً لم تكن تلقى أي شجب من جانب «أزرق أبيض»؛ بل كثيراً ما نالت التأييد والتفهم. وهذا ما حصل في مسألة ضم غور الأردن التي أعلن بني جانتس عن تأييده لها. نفس المنهج المتطرف عموماً، لا بد من القول إن السلطة الفلسطينية والأردن تحديداً، شعرا بالقلق الكبير من إمكانية استمرار نتنياهو واليمين في حكم الكيان. ورأوا أن أي بديل لهما قد يكون أفضل إن لم يكن على المدى البعيد فعلى الأقل في المدى القريب آخذين بالحسبان علاقة نتنياهو واليمين مع إدارة ترامب الأمريكية. ولكن لا بد من القول إن حكومة برئاسة جانتس، ومع كل القيود الداخلية التي يمكن للقائمة العربية المشتركة أن توفرها، لن تختلف كثيراً عن حكومة الليكود إلا في مدى إسراعها في مساعي الضم. وإذا كانت حكومات نتنياهو تلهث لتوسيع الاستيطان والضم بكل السبل على طريق تنفيذ «صفقة القرن»، فإن جانتس دعا إلى عرض الصفقة على الكنيست وإقرارها. على أي حال، يصعب من الآن تخيل ما يمكن أن يشكل تغييراً فعلياً إذا ما تولى جانتس الحكم على رأس حكومة وحدة أو حكومة أقلية. وكل ما يمكن قوله هو إن أي حكومة «إسرائيلية» جديدة سوف تأخذ بالحسبان ما غرسته حكومات اليمين وتوجهات الناخب الصهيوني التي ظلت يمينية وتزداد تطرفاً؛ ولذلك فإن البناء على تغيير واسع في وقت قريب ليس أكثر من وهم. ولا يبدو في الأفق أن تغيير نتنياهو وإسقاطه يمكن أن يُسقط المفهوم الصهيوني الطاغي خصوصاً إذا لم يطرأ تغيير جوهري على الإدارة الأمريكية. ويبدو أن مرحلة إدارة الأزمة في العلاقات العربية «الإسرائيلية» ستتواصل لفترة طويلة قادمة من دون ظهور علائم على القدرة على حسمها. وطبيعي أنه في ظل الانقسام الفلسطيني واستمرار الأزمة الداخلية يصعب تشكيل عوامل ضغط حقيقية على الكيان؛ لإجباره على تغيير منهجه في التعامل مع الأراضي المحتلة. helmi9@gmail.com
مشاركة :