حذّرت منظمة «أوكسفام» العاملة في اليمن من تفشٍّ جديد لوباء الكوليرا في اليمن مع اقتراب موسم هطول الأمطار الشهر المقبل، بخاصة في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية التي قاد فسادها إلى تدمير القطاع الصحي وتسخير ما بقي منه للمجهود الحربي. وقالت المنظمة في بيان أول من أمس (الثلاثاء) إن موسم الأمطار المقبل «يهدد بتضخم عدد حالات الكوليرا في اليمن، حيث يعوّق الصراع الجهود المبذولة لمعالجة الأزمة المنسية». وأكدت المنظمة أن تفشي الوباء في عام 2019 يعد الثاني على الإطلاق على الصعيد العالمي، ولا تزال الحالات في تزايد، مشيرة إلى أن اليمن يعاني من أزمة كوليرا منسية، كما أن عدد الأشخاص المصابين بالمرض قد يتصاعد مع اقتراب البلاد من موسم الأمطار في وقت تشرف فيه أنظمة الرعاية الصحية على الانهيار. وأوضحت المنظمة أن محافظات صنعاء وحجة والحديدة وتعز وذمار هي الأكثر تهديداً بخاصة وقد سجّلت منذ 2017 أكبر ارتفاع لمعدلات الإصابة بالكوليرا. وقالت إنه تم بالفعل تسجيل أكثر من 56000 حالة مشتبه بإصابتها في الأسابيع السبعة الأولى من هذا العام، أي ما يعادل تقريباً نفس عدد الحالات المُسجلة العام المُنصرم. وأشارت إلى أن عدد حالات الإصابة بالكوليرا في عام 2019 هو ثاني أكبر عدد يتم تسجيله على الإطلاق في بلد ما في عام واحد، حيث لم يتم تسجيل عدد أكبر من ذلك سوى التفشي الذي سبقهُ في عام 2017، حيث تم تسجيل أكثر من 860 ألف حالة مشتبه بها، مقابل أكثر من مليون حالة في 2017. وفيما أكدت «أوكسفام» أن المُعدلات المُستمرة والثابتة للحالات الجديدة على مدى الأشهر الـ14 الماضية تُظهر أن المرض ما زال مُتفشياً، صرح مديرها في اليمن محسن صدّيقي، قائلاً إن «التوقعات قاتمة، حيث ما زالت حالات الكوليرا بمستويات مماثلة للعام الماضي، كما أن موسم الأمطار من المُحتمل أن يتسبب في آلاف الإصابات المُحتملة. هذه أزمة صحية مُختبئة على مرأى ومسمع الجميع. إنه لأمر مروّع أن تحظى هذه الأزمة المستمرة على هذا القدر القليل من الاهتمام». وأضاف صديقي: «لقد أدى نقص المياه النظيفة والغذاء إلى جعل الكثير من الناس ضعفاء وعرضة للإصابة بالأمراض، ومع ذلك فإن مُنظمات الإغاثة تظلّ تكافح من أجل الوصول إلى أشد الناس احتياجاً وذلك بسبب القيود التي تفرضها كل الأطراف». وتابع: «نحن بحاجة إلى تحرك عاجل من المجتمع الدولي لضمان الوصول الآمن الذي لا تشوبه أي عوائق للمساعدات الإنسانية، وكذلك لجمع كل الأطراف معاً من أجل الاتفاق على وقفٍ لإطلاق النار على المستوى الوطني». وتقول المنظمة في بيانها إن «الإمدادات الطبية تعاني من نقص مُزمن، كما أن نحو نصف المرافق الصحية فقط في اليمن تعمل بكامل طاقتها. في حين دفعت أسعار الصرف المتقلبة إلى ارتفاع سعر الديزل، مما أدى بدوره إلى زيادة سعر نقل المياه النظيفة إلى أجزاء من البلاد، حيث لا تتوافر المياه الجوفية هناك. بالإضافة إلى ذلك، فإن أكثر من 17 مليون شخص يكافحون من أجل الحصول على المياه النظيفة». وقالت المنظمة إنها منذ تصاعد النزاع في اليمن في عام 2015، قدمت المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي لأكثر من مليون شخص، بما في ذلك في المناطق التي يصعب الوصول إليها في البلاد، وذلك من خلال توفير المياه عن طريق الشاحنات، وإصلاح شبكات المياه، وتوفير مرشحات تنقية المياه والأوعية الصالحة لنقل وحفظ المياه، بالإضافة إلى بناء المراحيض وتنظيم حملات النظافة. ويتهم عاملون في القطاع الصحي، المسؤولين الحوثيين، الذين أصبحوا هم الآمرين الناهين في أغلب المستشفيات الحكومية، بالفساد وسوء الإدارة، إذ لا يهمهم سوى جباية الأموال على حساب صحة المرضى اليمنيين بمناطق سيطرتهم. ويشكو السكان في صنعاء ومناطق يمنية أخرى من عدم قدرتهم في زمن الميليشيات على مداواة مرضهم، كما يشكو السكان أيضاً من الخدمات الصحية المتدهورة في المستشفيات الحكومية بمناطق سيطرة الجماعة، ويؤكدون أن تلك الخدمات تشهد تحسناً طفيفاً في بعض المستشفيات الخاصة لكن أسعارها مرتفعة وبشكل كبير وتفوق قدرتهم المادية. وأكد السكان لـ«الشرق الأوسط» وجود المئات من حالات المعاناة والقصص الأليمة والمحزنة المنبعثة من داخل المشافي الحكومية والخاصة في صنعاء العاصمة وبقية مناطق سيطرة الحوثيين، والتي تشير، حسبهم، إلى وجود خلل كبير في الوضع الصحي بشكل عام. ووفق تقارير محلية ودولية، فقد جعلت الحرب، التي قادتها جماعة الحوثي ضد اليمنيين، معظم السكان في مناطق سيطرتها، بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، فيما بات الملايين على حافة المجاعة، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، وفق تقديرات الأمم المتحدة. ولجأت الميليشيات المدعومة من إيران، إلى جانب حربها العبثية، إلى الاستهداف المباشر لكل القطاعات الحيوية بما فيها القطاع الصحي، الذي ارتبط ارتباطاً مباشراً بصحة وحياة المواطنين اليمنيين، وذلك من خلال عمليات النهب والسلب والجباية والابتزاز والمصادرة وغيرها. وأدت تلك الممارسات الحوثية المتواصلة إلى انهيار كامل للقطاع الصحي في اليمن وتدهور كبير في الخدمات الصحية بالمستشفيات الحكومية والخاصة، وتسببت في انتشار الأمراض والأوبئة وعلى رأسها الكوليرا والدفتيريا وحمى الضنك وإنفلونزا الخنازير وغيرها من الأوبئة والأمراض الفتاكة الأخرى. وانتهجت الميليشيات الحوثية، منذ انقلابها أواخر 2014، سياسة تدميرية شاملة تجاه القطاع الصحي بمناطق سيطرتها، وعملت على إيقاف رواتب ونفقات تشغيل القطاع الصحي، وحرمت المواطنين من تلقي الخدمات الطبية، للحماية من الأمراض والأوبئة التي تفتك بهم، الأمر الذي تسبب بوفاة الآلاف من منهم. وكان أحدث تلك السياسات الميليشاوية، وليس آخرها، استيلاء الجماعة على ستة من أكبر المستشفيات الأهلية في العاصمة صنعاء: مستشفى الأم، والمستشفى الأهلي، ومستشفى جامعة العلوم، والمستشفى الألماني الحديث، ومستشفى سيبلاس، والمستشفى المغربي، وقامت بالحجز التحفظي على جميع أموال وممتلكاتها وتعيين حارس قضائي مزعوم عليها.
مشاركة :