تحقيق: محمد ياسين
تستيقظ يوماً، وفي طريقك إلى العمل، تقابل شخصاً يصافحك لا تعرفه، ولا يعرفك، يتودد إليك، ويسألك بعد السلام مساعدة، أو مالاً لكي يتمكن من الحصول على الطعام، أو الوصول لمكان ما. في الواقع لا يظهر على بعض من تقابلهم أنه متسول، أو مخادع، ولكنك ترتاب من طريقة طلبه، حيث يعترض طريقك للمال والمساعدة؛ وتتردد أحيانا في مساعدته، ولكنك تتساءل عن سبب سؤاله، وطلبه، فهو شاب قادر على العمل، أو رجل لا تبدو عليه علامات التسول. قصص كثيرة تسمعها من أصدقائك عن أشخاص يتسولون، منهم من جنسيات عربية، وآخرون من جنسيات أجنبية، ولكل واحد فيهم رواية يرويها، وجميع القصص تتشابك وتتقاطع حول نقطة دخوله للدولة بتأشيرة زيارة من قبل أحد الأشخاص في دولته، وآخرون دفعوا مبالغ كبيرة مقابل تأشيرات زيارة، أو سياحة، ووعد بتحويلها إلى تأشيرة عمل، ولكن الشخص يختفي بعد وصول صاحب التأشيرة.وبين أشخاص يتعرّضون للنصب عبر وسطاء داخل دولتهم، وآخرين يتم خداعهم عبر رسائل إلكترونية على أمل الحصول على فرصة عمل بدولة الإمارات، يزيد أعداد الأشخاص المعوزين وطالبي المساعدة في الطرقات، وعبر مجموعات التواصل الاجتماعي للاستغاثة بأبناء جلدتهم، لإيوائهم، ومساعدتهم في الحصول على مكان للنوم، أو المساعدة في إيجاد فرصة عمل مناسبة، أو غير مناسبة لمؤهلات الشخص.
اختفاء الوسيط
«محمد. ح»، أحد القادمين إلى الدولة بتأشيرة زيارة على أمل ووعد من شخص بدولته أن تكون فترة الزيارة هي فترة اختبار في العمل، وبعد وصوله إلى الإمارات اختفى الوسيط، ولم تكف الأموال التي أحضرها للمعيشة لأكثر من أسبوعين، بين مصاريف تنقل، وبحث عن سكن، ومأكل ومشرب، وانتهت،قال: إنها تجربة قاسية وظروف صعبة واجهتها.. بعد وصولي إلى الدولة بعد رحلة بحث عن سكن وعمل، نفدت جميع مدخراتي، وما أملكه من أموال، فاضطررت إلى النزول للشارع أطلب مساعدة المارة على الرغم من صعوبة الموقف، إلا أن الحاجة ماسة حتى يحين موعد تذكرة عودتي مرة أخرى إلى وطني، أو أن أجد عملاً مناسبا.
إعلان مزيف
أما رواية «علي. أ» فتختلف قليلاً عن رواية «محمد. ح»، فقد تم خداعه وأحد أصدقائه بطريقة مختلفة، حيث تتبع إعلاناً على إحدى مجموعات التواصل الاجتماعي عن فرص عمل داخل الدولة براتب مجز في مجال خدمة العملاء، وتم التواصل مع صاحب الإعلان الذي قام بتزوير عرض عمل مستغلاً اسم وشعار شركة كبرى والمطالبة ببعض الأموال نظير إتمام عقد العمل.وتابع: لم أتأكد من صحة عرض العمل المرسل من قبل الشخص الذي استغل شعار شركة كبرى، من أرقام هواتف، وبريد إلكتروني، محرفة، حيث قمت بالتواصل مع الشخص الذي طالب بإرسال مبالغ مالية لاستكمال مصاريف الحضور إلى الدولة، وتم إرسال المستندات المطلوبة، وتحويل المبالغ على حسابه، ومن ثم أرسل الشخص تأشيرة زيارة قصيرة الأجل للدولة، معللاً ذلك بأن الجهة ستقوم بتوظيفهما بعد فترة الاختبار مباشرة.وبعد وصولنا إلى أرض الدولة قمنا بالتوجه إلى مقر الشركة وسردنا قصتنا للمسؤول الذي بين لنا أننا تعرضنا لعملية نصب وابتزاز، مبيناً أن جميع المستندات مزورة ولم تقم إدارة الموارد البشرية في الشركة بالتواصل مع موظفين عبر وسطاء.وأضاف صديقه: صرفنا كل ما نملك من مبالغ، فضلاً عن الاستدانة قبل حضورنا إلى الدولة، وليس لدينا حتى مصاريف يومية للمعيشة، أو حتى تغيير تاريخ العودة إلى دولتنا، أو سداد الديون بسبب احتيال شخص.
الوظيفة لا تتناسب
حالة أخرى لشاب في العقد الثالث من العمر، ذهب إلى المحكمة لنجدته من أحد أبناء جلدته وجاره الذي أحضره إلى الدولة بعقد عمل صحيح، ولكن ليس بتخصصه، بعد أن أوهمه بأن المسمى الوظيفي في عقد العمل الذي حصل عليه يختلف عن الوظيفة الصحيحة، لتسهيل الأمر وتسريع الإجراءات، ولكن اكتشف الشاب أنها الوظيفة الفعلية للعمل لدى الكفيل، وعند اعتراضه لكونه محاسباً احتجز الوسيط جواز سفره، ورفض تسليمه له، وأنكر أمام مركز الشرطة احتجاز جواز السفر.وقال الشاب إنه لا يرغب في أن يعمل بتلك الوظيفة، وليس لديه مال للوفاء بمقابل إلغاء التعاقد مع الكفيل الفعلي، لكون الوظيفة لا تتناسب معه ولا يستطيع العودة إلى دولته لعدم توافر مبلغ مالي نظير تذكرة العودة لوطنه.
إعلانات مضللة
«الخليج» تابعت بعض الإعلانات الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدنا بعض الأشخاص يروّجون لتأشيرات عمل مفتوحة، وتأشيرات زيارة وسياحة بأسعار تنافسية على حد إعلاناتهم، من دون أية رقابة أو محاسبة، وعلى المجموعات نفسها الخاصة بجاليات عدة تجد استغاثة من 13 شخصاً أحضرهم أحد المعلنين على «الفيس بوك»، بعد أن تقاضى مبالغ مالية طائلة منهم، من دون أن يوفر لهم سكناً أو عملاً فجميعهم موجودون في أحد الشوارع يناشدون الناس التواصل معهم لكونهم تعرضوا لعملية نصب، وأن من جلبهم إلى الدولة أغلق هاتفه، واختفى عن الأنظار. والتقت عدداً من الأفراد المقيمين بالدولة الذين عبروا عن انزعاجهم من زيادة أعداد المتسولين، أو طالبي المساعدة في الشوارع:وقال باسم رجب إنه يصادف في اليوم الواحد أكثر من حالة، وجميعهم شباب في مقتبل العمر، يطلبون المساعدة المادية، أو التوصيل إلى مكان، وبعضهم يطلب ثمن وجبة غداء.. «في بداية الأمر ابتعد عن الحديث معهم، ولكني أشعر بأن الشخص فعلاً محتاج، وليس متسولاً». وتابع: نلاحظ في الآونة الأخيرة زيادة عدد طالبي المساعدة في الطرق، وأن أغلبهم من جنسيات عربية، وأغلب طلباتهم تتشابه، وأن الأمر أصبح يمثل ظاهرة، فنادراً لا تقابل شخصاً خلال اليوم.
محاولة نصب
محمد ماضي مستشار قانوني، أوضح أنه يتابع منشورات أكثر من مجموعة في «الفيس بوك»، وأن «أغلب إعلانات الوظائف مستفزة، وغير مقنعة، وبعض الإعلانات بالنسبة إلي شخصياً واضحة أنها للنصب والاحتيال».وطرح سؤالاً عن الدور الرقابي على الإعلانات المشابهة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاسبة المسؤولين عن نشرها، خصوصاً أن ضحايا تلك الإعلانات كثر، وطرق النصب عليهم متنوعة، موضحاً أنه تلقى اتصالاً من أحد أقاربه يسأل عن شركة استقبل منها رسالة للعمل شرط دفع مبلغ من المال.وقال إنه تواصل مع الشركة وأكدت أنها ليست الجهة المرسلة، ودقق في أرقام الهواتف الموجودة على عرض العمل فوجد أنها تتشابه جميعها، وتم تغيير أحد الأرقام فقط فضلاً عن صندوق البريد غير المطابق للبيانات الصحيحة.
مواقع موثقة
من جهته، أكد القاضي سعيد هلال الزعابي، قاضي تمييز في محاكم دبي، وفقاً لقانون دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن تلك الحالات التي يتم الاحتيال عليها من دون أثبات وتكون حالة النصب والاحتيال وقعت على أرض دولة أخرى، لا تمكن الضحية من مقاضاة المحتال في الدولة، ولكن وفي الوقت نفسه، فإن العالم يتطور وسبل التأكد من المعلومات واضحة، فالعالم أصبح قرية صغيرة تمكن الناس من مراجعة الجهات والقوانين عبر تطبيقات مواقع موثقة من الجهات الرسمية، خاصة أن دولة الإمارات سباقة في هذا، وتنفذ بشكل مستمر حملات توعوية للقادمين إلى الدولة.وشدد على أهمية فرض الرقابة من قبل الجهات المختصة لمنع بعض الممارسات الخاطئة التي تنتهجها بعض مكاتب استقدام العمالة، أو مكاتب السياحة التي تستخرج تأشيرات زيارة لا تتناسب مع قدرات الشخص القادم إلى الدولة، وأن تكون هناك مراجعات مستمرة لها، مشيراً إلى أهمية فرض رسوم تأمين على تلك الشركات تساوي على الأقل ثمن تذكرة عودة الزائر، خاصة لبعض المهن، أو الوظائف، حتى يتمكن الشخص من العودة لوطنه في حال عدم تمكنه من تعديل وضعه في الدولة، وكان ضحية لخدعة ما.وقال إن هناك أشخاصاً للأسف يخدعون الآخرين عبر بيع الوهم لهم من خلال تأشيرات زيارة وسياحة يتقاضون عليها مبالغ كبيرة من أناس بسطاء، عبر وهمهم بتأشيرة لا تسمح لهم بالعمل، والواقع يكون الشخص وقع فريسة شخص طامع استغل حاجته للعمل، ودفع مبالغ كبيرة نظير تأشيرة تخوله فقط البقاء في الدولة فترة محددة بشهر، أو ثلاثة أشهر ومن دون عمل.وتابع: إن العديد من الحالات التي تم خداعها دفعت مبالغ كبيرة قد تكون آخر ما تملك على أمل أن تعوض ما تم صرفه من رواتب العمل الجديد؛ ليفاجأوا بعدم تمكنهم من العمل وفق قوانين دولة الإمارات التي لا تسمح لهم بالعمل بغير تأشيرة عمل والنظم المعمول بها من قبل الجهات الرسمية.
فرائس الطمع
من جانبه، أوضح المحامي علي الزرعوني، أن هناك بعض الأشخاص يتقدمون بشكاوى لحالات نصب واحتيال لأمور تتعلق بتسليم أشخاص مبالغ مالية في أوطانهم، مؤكداً أن البلاغات والشكاوى متاحة للجرائم التي تتم على أرض الدولة، وأن الجهة المخولة في تلك الحالات هي الدولة التي وقعت فيها الجرائم.وشدد على أهمية التأكد من العقود قبل تسليم الأشخاص أي مبالغ مالية، وأن هناك قنوات رسمية متاحة للجميع للتأكد من عقود العمل وغيرها من تأشيرات القدوم إلى الدولة، وأن دولة الإمارات وظفت إمكاناتها وبنيتها التحتية الإلكترونية لتوعية الناس من الوقوع فرائس لطمع وجشع المحتالين.
قنوات موثقة
دعت وزارة الموارد البشرية والتوطين القادمين إلى دولة الإمارات لعدم الانسياق وراء الإعلانات المضللة، مؤكدة أن الدولة لديها قنوات موثقة تمكن أي فرد من الوصول إلى المعلومات الصحيحة حتى لا يقع فريسة للمحتالين وأصحاب النفوس الضعيفة.وتعمل كل الجهات والمؤسسات بالدولة على توعية الأفراد بسبل التأكد من المستندات الرسمية من خلال قنواتها سواء الإلكترونية، أو التقليدية، ومنها بطبيعة الحال وزارة الموارد البشرية والتوطين التي تعمل عبر منصتها الإلكترونية وموقعها على الإنترنت على توعية الأفراد القادمين إلى الدولة عبر دليل إرشادات للتعريف بالحقوق والواجبات المعمول بها داخل الدولة.وجاء في دليل الإرشادات الخاص بالقادمين بغرض العمل في دولة الإمارات العديد من النقاط لتوعية الأفراد بحقوقهم وقنوات التواصل الاستفسارات أو الشكاوى.