خطوة إيجابية تلك التي خطتها إدارة الجوازات فيما يتعلق بتسهيل امكانية استصدار الأوراق الرسمية للنساء من جواز سفر وخلافه عبر أمر من المحكمة الشرعية، هذه الخطوة ببساطة حلت إشكالية قديمة فيما يتعلق بنظام الولاية، فالولاية الموكلة إلى رجل لاتعني في كل الأحوال بأنها تخص إنسانا عاقلا سويا! فكم من رجل فرط في ولايته وقصر في واجباتها أو وظفها لابتزاز وليته أو تصفية ملفات قديمة، وولي من هذا النوع شرعيا تسقط عنه الولاية وتتحول إلى ولي أمر المسلمين أو القاضي الذي تقوم بدوره هنا المؤسسات العدلية. وتحريك الملف بهذه الصورة يعطي انطباعا ايجابيا بأن هناك تفهما يرافقه وعي بأبعاد قضية الولاية، شروطها ومستوجباتها بالنسبة للمرأة، لاسيما أنها توظف إداريا بل تكرس كحالة قصور أبدي تكابدها المواطنات فيما يتعلق بالأوراق الرسمية بشكل يجعل منها مواطنة من درجة متقهقرة عاجزة عن الوصول إلى حقوق مواطنتها، وتمتعها بالموارد والخدمات سواء على المستوى الإداري أو الاقتصادي أو الشرعي، وجميع الامتيازات على حد سواء مع شقيقها المواطن. وخانة الولاية كانت ومازالت حيزا يرشق فوق أي ورقة رسمية تخص المرأة، بطريقة تلقائية دون أي مناقشة، كجزء من الديباجة أو رقم الصادر والوارد، ودون ربطها بمستوجبات الولاية وشروطها، وكأن المواطنة تولد بسمة قصور مؤزل، إما لصغر سن أو غياب عقل أو انتفاء أهلية، وهذا بالتأكيد أمر يشكل مفارقة تضاد وتقاطعٍ ٍمع واقع مواطنة يكون موكل لها أحد شؤون الولاية الصغرى من علاج مرضى أو إدارة منشآت كبرى أو تدريس بجميع تجلياته.. أو أي شأن آخر يشترط تمام العقل والأهلية. ولكن مع الأسف يتم مكافأتها عبر هذا الخلل الإجرائي في مواطنتها. بالتأكيد هناك مستحثات اجتماعية وأعراف تكرس هذا الموضوع وترفعه سدودا دون تمكين المرأة، بدليل أن وزارة التجارة قد أزالت اشتراط ولي الأمر أو وجود ممثل ذكر لكي يكون وكيلاً لسيدات الأعمال السعوديات، رغم هذا فإن العديد من المؤسسات الحكومية يتعذر الوصول إليها للنساء دون وكيل أو ممثل من الذكور بخلاف قانون وزارة التجارة، وقد أسقطت أيضا وزارة العمل شرط الحصول على إذن من ولي الأمر للنساء للتقدم للوظائف، ومع ذلك، لا يزال العديد من أرباب العمل يطلبون من النساء المتقدمات موافقة ولي الأمر للتوظيف. أما المؤسسة الرسمية التي تمارس قوانينها أوضح حالات التمايز ضد المواطنة، فهي المؤسسة العامة للتقاعد، فهي لاتكتفي بحجب راتب المرأة التقاعدي في حال وجود راتب لزوجها أيضا، رغم كونها كانت تستقطع تقاعدها من راتبها طوال سنين عملها بالدولة! فإنها أيضا في حال رغبة المتقاعدة استصدار بطاقة تعريفية تمكنها من الحصول على بعض امتيازات المتقاعد، فعليها أن تقوم بملء نموذج أحد بنوده هو (موافقة ولي الأمر)!!. وهذا بالفعل أمر يقترب من الكوميديا السوداء. وعلى حين أن الدولة وأجهزتها الرسمية قد بدأت تأخذ منحى سريعا نحو الحكومة الذكية، نجد أن المؤسسة العامة للتقاعد، ما برحت تبني جدران الطين واللبن. وبدل أن ينتظر المواطنة بعد سنين خدمتها الطويلة في الدولة باقة شكر وحقل امتنان، ينتظرها بند (يصفر لها العداد) ويعيدها للمربع الأول حيث تبقى في خانة القاصر التي تحتاج إلى ولاية من المهد إلى اللحد، كسمة خلقية ترافقها لا انفكاك منها، وكأن هذه المواطنة، لاتمتلك رقما وبطاقة هوية وطنية، ولم تكتسب خبرات وظيفية وحنكة إدارية، ولم تختزن مداركها حكمة السنين والعمر، ولاتمتلك حفنة تجارب تثمن غاليا في الدول المتحضرة! مع الأسف كثيرا ما نجد قضية الولاية أوكلت لمن لايحسن التصرف بها أو توظيفها! وبالطبع يحق لنا أن نتوقع المزيد من القوانين المشابهة، طالما أن قانون ومدونة الأحوال الشخصية، ما برحت حبيسة الأدراج داخل المؤسسة العدلية. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net
مشاركة :