في ظل أزمة «كورونا» والتسارع الكبير للأحداث التي تتطلب قرارات حاسمة للحد من انتشار هذا الفيروس، والتفات الناس جميعاً نحو هذا الوباء الذي اجتاح العالم ولم تسلم منه أكبر الدول وأكثرها تقدماً، قرأت خبراً غريباً جداً حول تشكيل مجموعات تشاورية لاقتراح تعديلات دستورية وأخرى على قانون الانتخاب واللائحة الداخلية لمجلس الأمة والتوجهات الاقتصادية والاجتماعية! باختصار، هذا الوقت الذي تواجه فيه الكويت خطر انتشار وباء «كورونا» ليس مناسباً أبداً للدخول في صراع حول تنقيح الدستور أو قانون الانتخاب وغيره من الأمور السياسية... فنحن اليوم في أمس الحاجة للوحدة والتعاون... لكن أما وقد تم تشكيل تلك المجموعات، وأعلنت أسماء أعضائها في الصحف وبدأ الناس بالتفاعل مع الخبر إما بالرفض أو التأييد فلا بد من مناقشته سياسياً. بدءاً، علينا أن نستوعب بأن تشكيل المجموعات التشاورية كفكرة ليست سيئة، وبالتأكيد لا مجال لأن نجادل في حق صاحب السمو بتشكيل ما يراه من المجموعات واللجان، وفي المقابل فإن التخوف الشعبي الكبير من هكذا مجموعات وما ستنتهي إليه من نتائج أمر مبرر مئة في المئة، ولو رجعنا للتاريخ فسنجد أن جميع محاولات تنقيح الدستور السابقة كانت ذات توجه غير ديموقراطي، وتحاول التقليل من سلطة الشعب ومجلس الأمة، وتعطي دوراً أكبر للسلطة التنفيذية، لذلك لا أستغرب استنفار جزء كبير من المجتمع ضد ما قد تسفر عنه هكذا مجموعات.ونأتي الآن على هذه المجموعات والمهمات التي ستقوم بها، فهناك مجموعة لاقتراح تعديلات دستورية، وأخرى لتعديل قانون الانتخاب واللائحة الداخلية، ومجموعة أخيرة للنظر في التوجهات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وسنأخذ دور كل مجموعة على حدة، فبالنسبة لتعديل الدستور أجد أن فكرة التعديل مستحقة، فدستور 62 هو دستور الحد الأدنى وكان من المفترض تنقيحه نحو مزيد من الحريات بعد مرور خمس سنوات على إقراره، لكن عندما نأتي على واقعنا السياسي اليوم نجد أن أساس المشكلة ليست في نصوص دستور 62، بل المشكلة تكمن في عدم احترام وتجاهل تطبيق نصوص ذلك الدستور، كذلك أرى بأن الظروف الراهنة ليست مناسبة لتنقيح الدستور في ظل عدم وجود مناخ ديموقراطي وعدم وجود مجلس أمة يعبر عن إرادة الشعب، خصوصاً في ظل وجود ترسانة القوانين المقيدة للحريات... لذلك فمن غير المنطقي أن أتوقع من هذه المجموعات تنقيحات دستورية تصب باتجاه المزيد من الحريات أو نحو استكمال النظام الديموقراطي!أما بالنسبة لمجموعة تعديل قانون الانتخاب ولائحة مجلس الأمة ومجموعة التوجهات الاقتصادية والاجتماعية، فلا شك أننا في أمس الحاجة اليوم لتعديل قانون الانتخاب الحالي، الذي زاد من دمار المنظومة السياسية، ورسخ مفهوم العمل الفردي ونواب الخدمات، لذلك لا بد من التوافق حول نظام انتخابي ديموقراطي أكثر عدالة يتحقق من خلاله تمثيل إرادة الأمة، وأعتقد بأن نظام التمثيل النسبي والقوائم الانتخابية هو الأنسب في هذا الوقت لتعزيز الطابع السياسي للعملية الانتخابية، وفتح المجال أمام قيام حياة حزبية حقيقية، أما بالنسبة للتوجهات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، فكل ما نخشاه هو توجه بعض الأطراف الاقتصادية نحو مقترحات وتوصيات تصب في مصلحة كبار التجار على حساب الفئات الشعبية، فقد حاولت هذه الأطراف مراراً وتكراراً خصخصة التعليم والصحة والقطاع النفطي، ولولا الوعي الشعبي لتم ما يريدون منذ العام 2010، ولكن تلك التوجهات جوبهت بالرفض الشعبي في ظل وجود مجلس أمة له ثقل حينذاك، لهذا يجب الحذر من تلك التوجهات وقطع الطريق أمامها، ولعل أكبر دليل على خطورة خصخصة قطاعات الدولة هو ما نمر به اليوم في أزمة الكورونا والغياب اللافت للنظر لدور القطاع الخاص في هذه الأزمة!نهايةً، نعم علينا الاعتراف بأن هناك أزمة يعاني منها البلد، وهذه الأزمة تتطلب مشاورات موسعة يشترك فيها جميع التوجهات السياسية والفكرية وأوسع الفئات الشعبية، في ظل وجود مناخ سياسي صحي ديموقراطي، أما في وضعنا الحالي... فرأيي في الموضوع باختصار... «مو وقته»! dr.hamad.alansari@gmail.comtwitter: @h_alansari
مشاركة :