سواء عقد شراكة مع المعارضة القومية أو العلمانية، فإنه سيتعين على حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا أن يواجه العقبة نفسها خلال بحثه عن شريك في الائتلاف الحاكم، الا وهي طموح الرئيس رجب طيب اردوغان. وعلى الرغم من أن جهوده لإقامة نظام رئاسي قوي أحبطت، فإن اردوغان يسيطر على مقاليد الحكم، بعد تركه رئاسة الوزراء في اب (أغسطس) الماضي، لتولي منصب الرئيس محدود الصلاحيات. وأوضح زعماء المعارضة الذين بوسعهم الآن الانضمام للحكومة من خلال ائتلاف، أنهم لن يتهاونوا مع تدخله، مما يشير إلى أن أيام استضافته لاجتماعات الحكومة في قصره الجديد المكون من الف غرفة ربما تكون قد ولت على الأقل على الأمد القريب. وقال مسؤول كبير في الحزب كان في طريقه لحضور ما قال انها اجتماعات، قد تعقد على مدى أسابيع لبحث الاستراتيجيات مع رئيس الوزراء احمد داود اوغلو وكبار قيادات حزب "العدالة والتنمية" أن "الائتلاف يبدو حتمياً وحزب "العدالة والتنمية" سيكون جزءاً منه. هذا واضح." ولن تسهل تصريحات اردوغان السابقة عن المعارضين السياسيين التوصل الى تسوية، بعد أن وصف معارضيه العام الماضي وفي خضم فضيحة فساد قال إنها دبرت للإطاحة به وصف خصومه بأنهم إرهابيون وخونة عقدوا "تحالفا للشر". وجاءت انتخابات الأحد التي خسر فيها حزب "العدالة والتنمية" ذو الجذور الإسلامية أغلبيته في البرلمان وأنهت اكثر من عشر سنوات من حكم الحزب الواحد، لتوجه ضربة لطموحات اردوغان في إقامة نظام رئاسي على النمط الأميركي، وأغرقت تركيا في حالة من الغموض السياسي لم تشهدها منذ التسعينات. وعلى الرغم من أن بإمكان حزب "العدالة والتنمية" أن يحكم بمفرده في حكومة أقلية، فإن مصادر كبيرة بالحزب تقول إن الحزب عقد العزم على محاولة تشكيل ائتلاف على الأقل مع حزب "الحركة القومية اليميني" الذي يعتبر شريكه المرجح. ولن تكون المفاوضات سهلة. ويوم الاحد قال زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي الذي انتقد تطلعات اردوغان لإقامة نظام رئاسي تنفيذي إن "على الرئيس التركي أن يظل داخل الحدود المتاحة له بموجب الدستور" كما أن قطاعاً كبيراً من مؤيدي حزب الحركة القومية يعارضون بشدة محادثات السلام مع الانفصاليين الأكراد، التي تهدف إلى إنهاء تمرد استمر ثلاثة عقود في جنوب شرقي تركيا، وهو مشروع يقول اردوغان وداود اوغلو إنهما ملتزمان تماما بتنفيذه. وقال مسؤول كبير في حزب "العدالة والتنمية" إن "الشريك الأرجح في الائتلاف"هو حزب الحركة القومية، بسبب التشابه بين قاعدتي مؤيدي الحزبين، لكن موقفه واضح وهو أنه يجب إنهاء عملية السلام." وأضاف "سنعرف كيفية التغلب على ذلك او ما اذا كان يمكن التغلب عليه بمرور الوقت." تأسس حزب "الحركة القومية العام 1969 وكانت المرة الأخيرة التي انضم فيها لائتلاف حاكم عام بعد انتخابات العام 1999، التي احتل فيها المركز الثاني. وانهارت الحكومة خلال الأزمة المالية العام 2001 ، مما أدى إلى إجراء انتخابات مبكرة فاز بها حزب "العدالة والتنمية" الذي كان حديث العهد في ذلك الحين. في الفترة السابقة لانتخابات الأحد تحدث اردوغان مراراً عن هذا كمثال للبديل غير المستقر لحكم الحزب الواحد وهو حكم حزب "العدالة والتنمية" في خطوة إجرائية اجتمع داود اوغلو مع اردوغان اليوم، وقدم له استقالته، لكن اوغلو سيظل رئيسا للوزراء لحين تشكيل حكومة جديدة. وسيكلف اردوغان داود اوغلو بتشكيل تلك الحكومة فور نشر النتائج الرسمية للانتخابات، والتي لن تنشر قبل الاسبوع القادم. وكان حزب "الشعوب الديمقراطي" المؤيد للأكراد اكبر الفائزين في انتخابات الأحد، فتجاوز نسبة العشرة في المئة المطلوبة ليدخل البرلمان كحزب للمرة الأولى. واستبعد زعيمه صلاح الدين دمرداش اليوم مجددا المشاركة في أي ائتلاف يضم حزب "العدالة والتنمية." وقالت المصادر في حزب "العدالة والتنمية" إنه اذا فشلت المحادثات مع حزب "الحركة القومية" فإن من الممكن أن يبحث الحزب تشكيل ائتلاف مع ثاني اكبر حزب في البرلمان وهو حزب "الشعب الجمهوري العلماني" وإن كان هذا سيتطلب تضييق هوة الخلاف الايديولوجي الكبير. وينظر اردوغان وهو محبوب الجماهير المتدينة المحافظة إلى حزب "الشعب الجمهوري" وهو حزب مؤسس الدولة الحديثة مصطفى كمال اتاتورك على أنه حصن للنخبة العلمانية، التي ينحي الرئيس التركي باللائمة على فكرها الليبرالي في كثير من المشاكل الموجودة بالبلاد. وقال مسؤول كبير ثان في حزب العدالة والتنمية "لا يمكن استبعاد تكوين ائتلاف مع حزب "الشعب الجمهوري" تماما. من الناحية العددية ستكون لنا أغلبية لا بأس بها." وأضاف "بالطبع اردوغان أحد اكبر العقبات في طريق عقد اتفاق كهذا. لكن في السياسة لا توجد عقبات لا يمكن تجاوزها." وإذا لم يتسن تشكيل ائتلاف بعد 45 يوما، فإن بوسع اردوغان أن يدعو لانتخابات جديدة يرجح أن تجرى في فصل الخريف. لكن هذه الاستراتيجية تنطوي على مجازفة، اذ انه لا يمكن تحديد ما اذا كان حزب "العدالة والتنمية" سيتمكن من تحسين نتائجه بدرجة ملحوظة. وقال مسؤول ثالث في الحزب يشارك في المشاورات "يجب الا نكون الطرف الذي يتهرب... يجب أن يعلم الناس ان احتمالات تشكيل تحالف تذهب إلى أبعد مدى." وأضاف "اذا تعذر ذلك ستظل لدينا ورقة حكومة الأقلية." في كلتا الحالتين يرجح أن تواجه تركيا انتخابات أخرى قبل نهاية ولاية البرلمان، التي تبلغ مدتها أربع سنوات. وقال الباحث الزائر في معهد كارنيجي اوروبا ورئيس مؤسسة (إيه دي إيه إم) البحثية ومقرها اسطنبول سنان أولجن "حدوث هذا بعد 45 يوما او عام او اثنين يتوقف على المواقف والمسارات التي ستتبناها وتسلكها الأحزاب اعتبارا من الآن."
مشاركة :